والعبادة لله الذي لا تنبغي العبادة إلا له على نعت الهيبة والتعظيم، حتى كأنه ينظر إلى الله تعالى خوفًا منه، وحياءً، وخُضُوعًا له.
وقال الراغب الأصبهانيّ: الإحسان يقال: على وجهين:
[أحدهما]: الإنعام على الغير، يقال: أحسن إلى فلان.
[والثاني]: إحسان في فعله، وذلك إذا عَلِمَ علمًا حسنًا، أو عَمِلَ عملًا حسنًا، وعلى هذا قوله ﷿: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧]، والإحسان أعم من الإنعام، قال تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [الإسراء: ٧]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل: ٩٠]، فالإحسان فوق العدل، وذاك أن العدل هو أن يُعطي ما عليه، ويأخذ أقلّ مما له (^١)، والإحسان أن يُعطي أكثر مما عليه، ويأخذ أقلّ مما له، فالإحسان زائد على العدل، فتحرّي العدل واجبٌ، وتحرّي الإحسان ندبٌ وتطوّع، وعلى هذا قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [النساء: ١٢٥]، وقوله ﷿: ﴿وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ١٧٨]، ولذلك عظّم الله تعالى ثواب المحسنين، فقال تعالى: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥]، وقال تعالى: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [التوبة: ٩١]، ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ [النحل: ٣٠]. انتهى (^٢).
قال الطيبيّ: يجوز أن يُحمل الإحسان - يعني في هذا الحديث - على الإنعام، وذلك أن العامل المرائي يُبطل عمله، ويُحبطه، فيظلم نفسه، فقيل له: أحسِن إلى نفسك، ولا تشرك بالله، واعبُد الله كأنك تراه، وإلا فتهلك، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [فاطر: ١٠]، فإنها واردة في المرائي.
ويجوز أن يحمل على المعنى الثاني - يعني الإحسان في الفعل - وعليه قوله تعالى: ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧]، وقوله تعالى: ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ