Al-Bahr Al-Muhit Al-Thajaj fi Sharh Sahih Al-Imam Muslim bin Al-Hajjaj

Muhammad ibn Ali ibn Adam al-Ithiubi d. 1442 AH
100

Al-Bahr Al-Muhit Al-Thajaj fi Sharh Sahih Al-Imam Muslim bin Al-Hajjaj

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج

Publisher

دار ابن الجوزي

Edition Number

الأولى

Publication Year

(١٤٢٦ - ١٤٣٦ هـ)

Publisher Location

الرياض

Genres

والعبادة لله الذي لا تنبغي العبادة إلا له على نعت الهيبة والتعظيم، حتى كأنه ينظر إلى الله تعالى خوفًا منه، وحياءً، وخُضُوعًا له. وقال الراغب الأصبهانيّ: الإحسان يقال: على وجهين: [أحدهما]: الإنعام على الغير، يقال: أحسن إلى فلان. [والثاني]: إحسان في فعله، وذلك إذا عَلِمَ علمًا حسنًا، أو عَمِلَ عملًا حسنًا، وعلى هذا قوله ﷿: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧]، والإحسان أعم من الإنعام، قال تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ﴾ [الإسراء: ٧]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل: ٩٠]، فالإحسان فوق العدل، وذاك أن العدل هو أن يُعطي ما عليه، ويأخذ أقلّ مما له (^١)، والإحسان أن يُعطي أكثر مما عليه، ويأخذ أقلّ مما له، فالإحسان زائد على العدل، فتحرّي العدل واجبٌ، وتحرّي الإحسان ندبٌ وتطوّع، وعلى هذا قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [النساء: ١٢٥]، وقوله ﷿: ﴿وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: ١٧٨]، ولذلك عظّم الله تعالى ثواب المحسنين، فقال تعالى: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥]، وقال تعالى: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [التوبة: ٩١]، ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ [النحل: ٣٠]. انتهى (^٢). قال الطيبيّ: يجوز أن يُحمل الإحسان - يعني في هذا الحديث - على الإنعام، وذلك أن العامل المرائي يُبطل عمله، ويُحبطه، فيظلم نفسه، فقيل له: أحسِن إلى نفسك، ولا تشرك بالله، واعبُد الله كأنك تراه، وإلا فتهلك، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ [فاطر: ١٠]، فإنها واردة في المرائي. ويجوز أن يحمل على المعنى الثاني - يعني الإحسان في الفعل - وعليه قوله تعالى: ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧]، وقوله تعالى: ﴿نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ

(^١) هكذا النسخة، ولعله "ويأخذ ما له"، فليتأمّل، والله تعالى أعلم. (^٢) "مفردات ألفاظ القرآن" ص ٢٣٦ - ٢٣٧.

1 / 104