فقلت: كلا.
فأجابني: ولن تجدها، فمطامع المادة لا تحد، إن السعادة روح وهيهات أن تستولي الهيولى على الأرواح. لقد أقلقتم مسامعي يا أبناء التراب فكدت أصير مثلكم لا سعادة لي فارجع من حيث أتيت، واسأل سفرائي في أرضكم عنها.
فأجبت: لقد طفت في مشارق الأرض ومغاربها، رأيت الرسل والأنبياء والفلاسفة فلم أجد أحدا منهم سعيدا. أما سفراؤك فما رأيتهم ولا أعرف قصورهم.
فقال: نحن الأرواح لا نستسفر غير الأرواح، فسفيري هو ما تسمونه «الوجدان والضمير» في لغتكم ...
وابتسم البرق وقهقه الرعد فاضطربت . وبعد هنيهة وجدتني في برية مقفرة عاينت على صخورها آثارها دم هابيل ... فاستيقظت من حلمي الرهيب على قرع ناقوس الواجب ...
تأملت في ما رأيت وأخذت أندب حظ إنسانية تحمل على رأسها دم أبنائها الذين ضحتهم المطامع على مذابح آلهة كذبة، آلهة السعادة والأمل.
قلت في نفسي: ما تفاحة حواء وحكايتها إلا رمز السعادة المفقودة. إن ترنيمة «ملتون» الخالدة لهي رمز السعادة وهيهات أن يلتقي «الفردوس الضائع». إن ذلك الطائر الجميل الذي صورته قرائح الشعراء قد أفلت من قفصه وهيهات أن يعود ...
فيا أيتها السعادة.
أنت سر من الأسرار، عظمته في اختفائه وإن أدركه البشر يئسوا وملوا الوجود، وما أشقى حياة يملها الناس.
أنت خيال النفس المستقرة في الجسد كالخيال في المرآة، تدركه العين ولا تقبض عليه اليد. وما الفلاسفة غير أطفال يحاولون القبض على خيالاتهم في المرايا.
Unknown page