يسلكون طريق الخلاف ويتنكّبون طريق الوفاق، وكان هؤلاء الإخوة الثلاثة قادة مطاعين لدى جند الأوج، فحملوا أمراء الأطراف على الميل للسلطان، وحلفوا الأيمان، وأخذوا المواثيق والحجج، ووقع اختيارهم على زكريا الحاجب- وكان معروفا بكفاءته العالية ومشارا إليه بالبنان في فرط الّدهاء ومعرفة الألسنة واللغات- ليكون رسولهم إلى السلطان. ووضعوا تلك العهود والمكاتيب في تجويف عصا وأعطوها له، وألبسوه ثوب القساوسة، وسيّروه مزوّدا بالوعود الجميلة.
فلما وصل إلى ملك الملك مفروزم، واستدل على بيت السلطان، أخذ في الطواف حول البيت، ولبث يتحين الفرصة، فرأى عند الظهيرة أن أبناء السلطان قد أخذوا في النزهة مع جماعة من الغلمان، وبدأوا- على عادة الأطفال- في بناء طاحون (^١) هناك على أطراف مرج كانت حوافّه الخضراء قد نمت وربت حول صفحة وجهه كأنها شهود. فصعد زكريا عند الملك عز الدين- وكان في الحسن بغير قرين، لم يبدع مصوّر وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ (^٢) مثله في/ معمل الوجود: [شعر].
- كان الزمان قد صنع في إثره شيئا فشيئا ما كان موافقا له من ناحية الحسن واختطف قبلة هي زاد الحياة الأبدية، فأسرع الأمير من فرط الغيظ والحنق
_________
(^١) وشرعوا في اللهو واللعب وبدأوا في إنشاء طاحون أ. ع ٧٨.
(^٢) سورة غافر: ٦٤
1 / 29