فنودي أن قد أعطيت ما سألت ولا سبيل إلى الخلود فاختر إن شئت سبع بقرات من ظبيات عفر في جبل وعر لا يمسها قطر وإن شئت بقاء سبعة أنسر سحر، كلما هلك نسر أعقب نسر. فكان اختياره بقاء النسور.
النسر الأول
فبينما لقمان يدور ذات يوم في جبل أبي قبيس بمكة سمع مناديا لا يرى شخصه وهو يقول: يا لقمان بن عاد المغرور ببقاء النسور اطلع رأس ثبير ليس يعد وقدرك المقدور، فطلع رأس ثبير فإذا بوكر نسر فيه بيضتان قد تفلقتا عن فرخيهما فاختار لقمان أحد الفرخين، ثم عقد في رجله سيرا ليعرفه وسماه المصون، ثم قال: المصون الخالص المكنون من بيت المصون ومحذور السنون وغبط العيون والباقي بعد الحصون إلى آخر الدهر الخؤون.
قال معاوية: لله أنت يا عبيد كيف كان اختياره وفرقه بينهما، وهما فرخان لنسر واحد؟ قال عبيد: بلغني إنه كان ينظر إلى أعظمهما رأسا وأجلهما عظما فلا يشك إنه الذكر منهما فيختاره، لأن الذكر أبدى وأقوى وأصلب وأحذر لأن مضغه الطير تشك. قال معاوية: فخذ في حديثك يا ابن شرية. قال عبيد: وكان لا يغفل عن إطعامه حتى تم طائرا مسخرا له يدعوه باسمه للمأكل فيجيبه حتى أدركه الكبر، فضعف فلم يطق أن يطير فبينما لقمان يطعمه لحما قد بضعه له إذ غص ببضعة منه فخر ميتا، فجزع لذلك جزعا شديدا وقال هذا بلاء - وأنشأ يبكي نفسه ويقول شعرا:
موت المصون دل على أنا ... نذوق الحمام حقا يقينا
Page 370