فلما سمعت ذكر إسطفانوس لم تعد تسلك قياد نفسها فقالت: «لا أريد أن أعرف.»
قال وهو يمازحها: «وكيف ذلك وأنت صاحبة الشأن اليوم؟»
قالت وهي تغص الكلام: «لا شأن لي في الأمر ولو كان لي رأي لما ألبستني هذا العقد ولا أتيت إلى هذا الدير.» وشرقت بدموعها.
فقال: «ألا تزالين تؤثرين الإقامة بطاء النمل على الفسطاط قصبة الديار المصرية ومقر رجال الدولة ومحط رحال أعيان القوم؟»
فتنهدت وسكتت مخافة أن يبدو منها شيء تندم عليه.
أما هو فجعل يغالطها ويفسر نفورها على غير الواقع فينسبه إلى الحياء أو إلى الخوف - على عادة البنات في مثل هذه الحال.
ثم وصل الأسقف واهتم أهل الدير لمجيئه فاستقبلوه بالترتيل والصلاة والبخور فدخل الكنيسة أولا وصلى صلاة حضرتها دميانة مع بقية الحضور خاشعة كعادتها أثناء الصلاة وجعلت تتوسل إلى الله أن يلهمها ما فيه الخير وإذا كان قد جعل إسطفانوس نصيبها فليحببه إليها وتضرعت كثيرا وهي تحاذر أن يراها أحد، وفيما هي في ذلك انتبهت فرأت إسطفانوس داخلا الكنيسة وقد لبس أحسن ثيابه وأصلح هندامه ووقف بجانب أبيها فأجفلت عند رؤيته وكاد الدم يجمد في عروقها، وجعلت تناجي نفسها وتسأل قلبها فلا تراه يزداد إلا نفورا، وكلما قارنت إسطفانوس بسعيد جذبتها عواطفها إلى سعيد ونفرت من إسطفانوس فقام في ذهنها أن الله لا يريده لها. ثم عادت فتذكرت أن الله يوصيها بطاعة الوالدين وإكرامهما فوقعت في حيرة.
قضت في حيرتها أكثر وقت الصلاة والأسقف يروح ويجيء داخل الهيكل بثيابه المزركشة والبخور يتصاعد في فضاء الكنيسة مع أصوات الترتيل، وإذا بها تسمعه ينادي: «يا معلم مرقس.»
فالتفتت فرأت أباها يمشي متجها إلى الأسقف، فأسر إليه هذا شيئا فعاد مرقس إلى دميانة وطلب إليها أن ترافقه إلى ما بين يدي الأسقف، فمشت منقادة كما ينقاد الحمل إلى الذبح. ونادى الأسقف إسطفانوس فجاء ووقف هناك فرفع الأسقف يده وبارك وصلى، ثم مدها إلى إسطفانوس وتناول منه خاتما صلى عليه وألبسه لدميانة وهو يتلو ما جرت به العادة، وأعلن أنه قد عقدت خطبة دميانة على إسطفانوس.
كل ذلك ودميانة ساكتة والدمع يتساقط على خديها وخافت أن تخونها قواها فتسقط على الأرض فتجلدت. فلما وضع الخاتم بيدها لم تعد تملك قواها، فوقعت على الأرض، فتراكضت الراهبات إليها ونضحتها بالماء المقدس، ونسبن ذلك إلى تعبها أو حيائها، وأتينها بزيت من مصباح أمام صورة العذراء مسحوا به جبينها، فأفاقت وحملنها إلى غرفتها، ولما أتم الأسقف الصلاة ذهب مع أبيها إلى متوسدها، وأخذ يخفف عنها تارة ويمازحها أخرى وإسطفانوس يعلم أن ما هي فيه سبب فرط تأثرها، وأنها قد غلبت على أمرها رغم حبها لسعيد. واختتم الاحتفال بالخطبة للتوعك الذي أصابها وتفرقوا.
Unknown page