قال: «هو أبو حرملة.»
فقطع الملك كلامه قائلا: «أبو حرملة النوبي؟»
قال: «كلا يا سيدي إن صاحب البجة تسمى بهذا الاسم تقليدا بذلك القائد العظيم.»
قال : «وكيف سياسته؟ هل هو معنا؟»
قال: «لم يكن معنا في بادئ الرأي ولكنني جعلته يصير نوبيا أكثر من النوبة. فإن هؤلاء القوم لا يغريهم إلا الكسب بالنهب فإذا علم أن محاربتنا للمسلمين تبيح له النهب صار معنا.»
قال: «هل أفهمته ما نرمي إليه من مناورة المسلمين؟»
قال: «إنهم لا يفهمون الانضمام إلى الروم لأنهم لا يدينون بالنصرانية وإنما اتفقنا على أنه إذا قامت حرب بيننا وبين المسلمين كان معنا. ورأيت منه ميلا وعطفا.»
فقال: «إن البجة من أصدقاء النوبة من عهد أسلافنا وأذكر أني ذهبت على عهد أبي مع رئيس البجة السابق وكنت غلاما يافعا إلى بغداد عاصمة المسلمين؛ ليشكو إلى الخليفة ظلم عماله في اقتضاء الجزية، فنلنا منه كل رعاية، وأهدانا الهدايا والتحف وبالغ في إكرامنا. وقد شاهدنا من خيرات العراق ما لا مثيل له هنا، ولما رجعنا أهداني فرسا وسرجا ولجاما وسيفا محلى هو هذا الذي معي، وثوبا ثمينا وعمامة من الخز لم ألبسها، وهي هذه - وأشار إلى المنطقة حول خصره - عدا ما أعطى حاشيتنا.
وأهم من ذلك كله أن الخليفة نظر إلى شكوانا فوجد عامله بمصر يأخذ منا فوق ما يجب، فأمره أن يخففه، ولقد كان هذا الخليفة - والحق يقال - على خلق عظيم، فاستتب الحال في عهده ولكن الأحوال تغيرت بانتقال الخلافة إلى سواه. فعاد عامل مصر إلى مناوأتنا. وحق العذراء إن ملك الروم خير لنا من هؤلاء المسلمين؛ فإنهم على دين غير ديننا، ولا يدخرون وسعا في سبيل أخذ أموالنا واسترقاق رجالنا. ولا أظنني في حاجة إلى زيادة التفصيل يا سمعان.»
فحنى سمعان رأسه مؤمنا وقال: «فالبجة معنا الآن، وقد آنست من رئيسهم ميلا إلى حلفنا، ولم يكن يعلم أني جئته لأتجسس أحواله، فاتخذني مترجما له، وقد اغتنمت فرصة سنحت، والتمست منه الإذن بالسفر إلى دنقلة وأنا أعلم أن مولاي الملك هنا.»
Unknown page