قال: «كيف تسعى بنفسها إلى القتل؟»
قال: «تفعل ذلك فرارا من أمر يحرمه دينها عليها، وأنت تطلبه منها، فلما لم تجد وسيلة للنجاة آثرت الموت على العار.»
فجعل أبو حرملة ينتقل بنظره من سمعان إلى دميانة ومن دميانة إلى سمعان كأنه يتفحص ما يضمرانه، ثم قال: «وكيف عرفت ذلك؟»
قال: «عرفته؛ لأنه حدث قبل هذه المرة بصعيد مصر منذ أكثر من مائة سنة، في دير من أديرة الراهبات.»
فلما سمعت دميانة قوله نظرت إليه ولسان حالها يعاتبه ويقول: «لقد وقفت في سبيل نجاتي من العار.»
فقال أبو حرملة: «وكيف ذلك؟»
قال: «لما قام العباسيون على بني أمية وأرسلوا جيوش خراسان لمحاربتهم هرب كبير بني أمية إلى مصر، وجعل يهاجم أديار الراهبات والرهبان، فاتفق أن وجد رجاله في بعض الأديرة فتاة جميلة الصورة، فأحضروها إليه، فأعجبه جمالها، فأرادها لنفسه وهي تأبى؛ لأن بنات النصارى يحرصن كل الحرص على صيانة عرضهن، ولا سيما الراهبات؛ فإن الواحدة تفتدي عفتها بنفسها. فلما أرادها الأمير الأموي وعلمت أنها مغلوبة على أمرها احتالت عليه وزعمت مثل زعم صاحبتنا هذه، أن لديها عقارا إذا دهن به الجسم ارتدت عنه السيوف القواطع، وأنه إذا لم يمسها وأطلق سبيلها كشفت له عن سر ذلك الدهن. فرضي واشترط أن يجرب ذلك فيها ، فقبلت ودهنت عنقها، وأمر الجلاد فضربها فأطاح رأسها عن بدنها، فعلم أنها أقدمت على الموت إنقاذا لعفتها. وتحدث أهل مصر بهذا الحادث زمنا طويلا.»
فلما سمع أبو حرملة هذا الكلام رد سيفه إلى غمده، وأطرق حينا ثم رمى السيف على البساط، وتقدم إلى دميانة وقال لها: «قومي أخية، قومي، هل تسعين إلى الموت؟»
فقالت: «وهي واقفة وقوف المستعطف والدمع يتلألأ في عينيها: نعم أفضل الموت على العار.»
فأظهر الغضب وقال: «تؤثرين الموت على أن تكوني عندي؟»
Unknown page