أما هو فقعد على البساط، وتناول الركوة فصب منها في القدح وقدمه إلى دميانة وهو يقول بلغة قبطية مكسرة: «اشربي يا عروسة، اشربي من هذه المريسة فإنها تنعش القلب وتذهب الحزن!»
فظلت ساكتة مطرقة لا تعلم ماذا تقول فقال لها: «أنا أشرب هذه الكأس عنك.» ثم شربها وصب قدحا آخر وقدمه لها وقال: «خذي اشربي.» وأدنى القدح من فيها فنفرت، وظهر الاشمئزاز في وجهها فقال: «يلوح لي أنك لم تتعودي هذا الشراب.» ووضع القدح من يده وزحف على البساط حتى دنا منها ووضع يده على ركبتها، فاقشعر بدنها ونهضت فجأة ونفرت فأخذ يضاحكها، فقال: «ما بالك؟ لماذا تخافين وأنا أحبك كثيرا؟» ومد يده ليمسك يدها ويجذبها إليه، فتباعدت، فتطاول حتى أمسك يدها فإذا هي باردة كالثلج، وشعر بجاذبية زادته رغبة فيها. وأما هي فلما لمسها اقشعرت وكاد الدم يجمد في عروقها، ولم تجد فائدة من النفور، فأطاعته وقعدت وهي تتجنب أن تلمسه وخاطبته والدمع في عينيها قائلة: «أتوسل إليك يا سيدي أن تتركني وشأني.»
قال: «ولماذا؟ ألا ترضين أن تكوني من نسائي؟»
فلما سمعت سؤاله خافت أن تجيبه بالرفض فيغضب، فقالت: «إني جارية حقيرة، لا أستحق هذا الإكرام، وأنت في غنى عني بمن عندك من النساء الكثيرات، فاتخذني جارية أخدم في مطبخك، أو أرعى الماشية، أو أي شيء آخر.»
قال: «لا، لا، بل أنت أحب النساء إلي، وسأجعلك في المقام الأول، فلا تجزعي؛ فما أنا بالوحش الذي تخشين وإن لم أكن من أهل المدن نظيرك.»
فقالت: «يظهر لي من كلامك ومن علو منزلتك أنك طيب السريرة، فلا يبلغ مقام الإمارة والزعامة أسافل الناس، فاسمح لي برجاء أتقدم به إليك.»
قال: «قولي.»
قالت: «إن الحظوة عندك شرف يتمناه الكثيرون، وأنا أسيرة، استخدمني كيفما تشاء للطبخ أو الغسل أو الحرث وارفع عني حظوة الزواج. أستحلفك بمن تعبد أو بمن تحب أن تتركني وشأني.»
قال: «كيف أتركك وشأنك وقد وقعت لي من الغنيمة بعد استخارة الآلهة، ورأيت فيك جمالا لم أشاهده في سواك؟ إني أنصح لك أن ترجعي عن عنادك وتقبلي مودتي طائعة مختارة، فأبو حرملة زعيم هذه القبيلة لا يعجزه أن يكرهك على ما يريد.»
فشعرت بتهديده وأنه إذا عزم على أمر لا يردعه رادع، فأطرقت ولم تجب، فاستبطأ جوابها فقال: «هل رجعت عن غيك يا قبطية؟ هل علمت بأني أدعوك إلى السعادة؟»
Unknown page