الصلاة على الجنائز في المسجد وكراهيتها هو قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبي يوسف أيضا غير أن أصحاب الإملاء رووا عنه أنه قال: إذا كان مسجد قد أفرد للصلاة على الجنائز فلا بأس أن يصلى على الجنائز فيه انتهى. وما نقله عن أبي يوسف قال في المحيط: اختلفوا هل له حكم المسجد، والصحيح أنه ليس بمسجد؛ لأنه (١) ما أعد للصلاة حقيقة؛ لأن صلاة الجنازة ليست بصلاة حقيقة، ولهذا يجوز إدخاله الميت فيه وحاجة الناس ماسة إلى أنه لم يكن مسجدا توسعة للأمر عليهم. انتهى. وقال الإمام أبو الحسين القدوري (٢) في التجريد: قال أصحابنا: تكره الصلاة على الموتى في مسجد الجماعة، وقال الشافعي: يجوز. لنا حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: "من صلى على ميت في المسجد فلا شيء له" ذكره أبو داود (٣)، قلت: ورواه عن ابن أبي شيبة بلفظ: "من صلى على جنازة في المسجد فلا صلاة له" (٤)، قال (٥): وكان أصحاب رسول الله ﷺ إذا
_________
(١) وبالأصل بدون هاء وهي زيادة يقتضيها السياق.
(٢) هو أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان، أبو الحسين، بن أبي بكر القدوري، البغدادي، صاحب "المختصر". ولد سنة اثنتين وستين وثلاثمائة. انتهت إليه رئاسة الحنفية بالعراق. وعظم عندهم قدره، وارتفع جاهه. وكان حسن العبارة في النظر، جريئًا بلسانه مديما لتلاوة القرآن. صنف "المختصر" وشرح "مختصر" الكرخي. وصنف كتاب "التجريد" في سبعة أسفار، يشتمل على الخلاف بين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه؛ شرع في إملائه سنة خمس وأربعمائة. وكتاب "التقريب" في مسائل الخلاف بين أبي حنيفة وأصحابه مجردا عن الدلائل. ثم صنَّف "التقريب" الثاني فذكر المسائل بأدلتها. وله "جزء حديثي"، ومات ببغداد في يوم الأحد منتصف رجب سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. وترجمته في الطبقات السنية (ص/١٢٧) (٢٩٤)، تاج التراجم (ص/٩٨) (١٩)، الجواهر المضية (١/ ٩٣) (١٨٠).
(٣) ولفظ أبي داود " فلا شيء عليه" وظاهره ينافي مقصودهم، وقال ابن القيم في "الزاد" (١/ ٤٨٣): (وتأولت طائفة معنى قوله: (فلا شيء له) أي فلا شيء عليه؛ ليتحد معنى اللفظين، ولا يتناقضان كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الإسراء: ٧]، أي: فعليها)، وقد ذهب الشيخ الألباني ﵀ وهو ممن يثبتون حديث الباب إلى تضعيف لفظ (عليه) والصواب كما ذكرنا آنفا ضعف الحديث مطلقا.
(٤) ولفظه عند ابن أبي شيبة نقلا عن مصنفه: «من صلى على جنازة في المسجد، فلا شيء له».
(٥) والقائل هو صالح مولى التوأمة كما جاء مصرحا به في رواية الطيالسي، والبيهقي، ولفظ البيهقي: (قال صالح: فرأيت الجنازة توضع في المسجد فرأيت أبا هريرة إذا لم يجد موضعا إلا في المسجد انصرف ولم يصل عليها) وصالح قد سبق بيان اختلاطه، وأن ابن أبي ذئب روى عنه قبل الاختلاط وبعده فلا تقبل روايته.
1 / 18