69

صلى الله عليه وسلم . قال علي: قلت لأبي بكر: لقد وقعت من الأعرابي على باقعة، قال: أجل، إن لكل طامة طامة، وإن البلاء موكل بالمنطق.

وفي قصة المثل أمثال: قوله: «لا حر بوادي عوف» يتمثل به في هضم من يتعاظم بنواحي من يقدر على قهره، وقوله: «إن على سائلنا أن نسأله» ومحل التمثل به ظاهر، وقوله: «والعبء لا تعرفه أو تحمله» يتمثل به في طلب الاختبار وترك الاكتفاء بما يبدو، فإن الشيء الذي تريد حمله فيكون عبئا ربما يكون كبيرا في النظر خفيفا في الوزن، وربما كان ثقيل الوزن وهو صغير الحجم. (75) أن ترد الماء بماء أكيس

يتمثل به عند الأمر بالاقتصاد في المعيشة والمحافظة على قليله وإن كان واثقا بحصول كثير له في المستقبل، وأصله في المسافر عرف قربه من المنهل فأسرف في استعمال ما حمل من الماء. (76) إنما يعاتب الأديم ذو البشرة

المعاتبة: المعاودة، وبشرة الأديم: ظاهره الذي عليه الشعر، أي إنما يعاد إلى الدباغ من الأديم ما سلمت بشرته. يضرب لمن فيه مراجعة ومستعتب. قال الأصمعي: كل ما كان في الأديم محتمل ما سلمت البشرة، فإذا نغلت البشرة بطل الأديم. ومن هنا أخذ العتاب بين الإخوان لذكر الهفوات ثم الاعتذار أو الاعتراف والمسامحة والعود إلى المصافاة، فيكون ذلك بمنزلة دبغ الجلد لإزالة فضلاته. (77) إن العصا قرعت لذي الحلم

قيل: إن أول من قرعت له العصا عمرو بن مالك بن ضبيعة أخو سعد بن مالك الكناني، وذلك أن سعدا أتى النعمان بن المنذر ومعه خيل له قادها وأخرى عراها، فقيل له: لم عريت هذه وقدت هذه؟ قال: لم أقد هذه لأمنعها ولم أعر هذه لأهبها. ثم دخل على النعمان، فسأله عن أرضه، فقال: أما مطرها فغزير، وأما نبتها فكثير، فقال له النعمان: إنك لقوال، وإن شئت أتيتك بما تعيا عن جوابه، قال: نعم، فأمر وصيفا له أن يلطمه، فلطمه لطمة، فقال: ما جواب هذه؟ قال: سفيه مأمور، قال: الطمه أخرى، فلطمه، قال: ما جواب هذه؟ قال: لو أخذ بالأولى لم يعد للأخرى. وإنما أراد النعمان أن يتعدى سعد في المنطق فيقتله. قال: الطمه ثالثة، فلطمه، قال: ما جواب هذه؟ قال: رب يؤدب عبده، قال: الطمه أخرى، فلطمه، قال: ما جواب هذه؟ قال: ملكت فأسجح، فأرسلها مثلا، قال النعمان: أصبت فامكث عندي، وأعجبه ما رأى منه، فمكث عنده ما مكث، ثم بدا للنعمان أن يبعث رائدا، فبعث عمرا أخا سعد فأبطأ عليه فأغضبه ذلك، فأقسم لئن جاء ذاما للكلأ أو حامدا له ليقتلنه، فقدم عمرو، وكان سعد عند الملك، فقال سعد: أتأذن أن أكلمه؟ قال: إذن يقطع لسانك، قال: فأشير إليه؟ قال: إذن تقطع يدك، قال: فأقرع له العصا؟ قال: فاقرعها، فتناول سعد عصا جليسه وقرع بعصاه قرعة واحدة، فعرف أنه يقول له: مكانك، ثم قرع بالعصا ثلاث قرعات، ثم رفعها إلى السماء ومسح عصاه بالأرض، فعرف أنه يقول له: لم أجد جدبا، ثم قرع العصا مرارا ثم رفعها شيئا وأومأ إلى الأرض، فعرف أنه يقول: ولا نباتا، ثم قرع العصا قرعة وأقبل نحو الملك، فعرف أنه يقول: كلمه، فأقبل عمرو حتى قام بين يدي الملك، فقال له: أخبرني هل حمدت خصبا أو ذممت جدبا؟ فقال عمرو: لم أذمم هزلا، ولم أحمد بقلا، الأرض مشكلة، لا خصبها يعرف، ولا جدبها يوصف، رائدها واقف، ومنكرها عارف، وآمنها خائف. قال الملك: أولى لك! فقال سعد بن مالك يذكر قرع العصا:

قرعت العصا حتى تبين صاحبي

ولم تك لولا ذاك في القوم تقرع

فقال: رأيت الأرض ليست بممحل

ولا سارح فيها على الرعي يشبع

سواء فلا جدب فيعرف جدبها

Unknown page