قال أبو مسلم: «ألعله من رجالنا؟»
قال: «كلا، بل هو من رجال الدهقان.»
فقال أبو مسلم: «فليدخل.»
فدخل الضحاك وهو يحمل خريطة قد أثقلت كاهله، فوضعها بجانب الموقد وأغلق الباب ودخل وهو يتأدب في مشيته حتى وقف بين يدي أبي مسلم.
فصاح به أبو مسلم: «من أنت؟ وما غرضك؟»
قال: «إني من موالي الدهقان، ولي مع الأمير شأن، إذا سمح بخلوة بثثته إياه.»
وكان الضحاك يتكلم وهو يحاول إخفاء أمارات المجون من وجهه، ولم يتم كلامه حتى نهض خالد وخرج، فأشار أبو مسلم إلى الضحاك أن يجلس، فأكب على يد أبي مسلم يقبلها وهو يقول: «قد أتيت مولاي الأمير بمهمة سرية أرجو أن يكتمها لوجه الله، وأنا رسول، وما على الرسول إلا البلاغ.»
قال: «قل ولا خوف عليك.»
فمد الضحاك يده وأخرج من تحت عباءته سيفا مرصعا دفعه إلى أبي مسلم. ولما رأى أبو مسلم السيف أجفل لأول وهلة؛ مخافة أن يكون في الأمر دسيسة أو اغتيال، فقطب وجهه ونظر في وجه الضحاك وأمارات الغضب والحذر بادية في عينيه، فضحك الضحاك ضحكة يمازجها شيء من البله وقال: «أيخاف صاحب هذا الجند من مهذار مثلي جاء بهدية؟ ومن يجرؤ على أن يقدم على الأمير بغير الطاعة والخضوع. إني أرى الموت بين شفتيك، والقضاء المبرم في عينيك، فبالله إلا تبسمت قبل أن أقع قتيلا.»
قال ذلك وهو يتظاهر بالذعر، أو هو ذعر فعلا؛ لأن أبا مسلم كان شديد الهيبة لا يستطيع أحد التفرس في وجهه.
Unknown page