قال: «إن البكم يلزم في هذه المهمة، ولكن الأبكم يكون أصم أيضا؛ فكيف يفهم مرادنا؟»
قال سعيد: «إن هذا الأبكم غير أصم؛ فهو يسمع ولكنه لا يستطيع الكلام؛ لقد أصيب بالبكم نتيجة عقدة لسانه.»
قال صالح: «وهل اختبرت أمانته؟»
قال سعيد: «أنا على يقين من أمانته.»
قال صالح: «أين هو؟»
فصاح سعيد مناديا أحد السياس وأشار إليه فأتى نحوه، وإذا هو قصير القامة، أسمر اللون، ممتلئ الجسم ودلائل الصحة بادية في استدارة وجهه، وغلظ عنقه، واتساع صدره، وكان جذعه عاريا إلى الحقوين، فبان الشعر كثيفا على صدره وكتفيه، وذراعاه مستديرتان ممتلئتان، وكذلك ساقاه وقدماه. وليس عليه من الكساء إلا سراويل قصيرة تغطي فخذيه إلى أعلى الركبة، فوقف وأشار برأسه إشارة التحية، فقال له صالح: «أتعرف مرو؟»
فأشار برأسه أن: «نعم.»
قال: «أتعرف أميرا اسمه سليمان بن كثير؟»
فأشار بيديه وأصابعه أنه عرفه منذ نزل أبو مسلم عند الدهقان المرة الأخيرة، وتحقق صالح من إشارات أخرى أنه عرف الرجل حقيقة، فقال له: «خذ هذه القصبة (وأخرج له الأنبوب) وامض سريعا إلى مرو، واذهب توا إلى دار الإمارة، فتجد الرجل هناك؛ فادفع إليه هذه القصبة وأسرع راجعا، وإذا سألك سائل لا تجبه. والأفضل أن تدفعها إليه وتنجو بنفسك سريعا، وتعود إلينا فتجدنا في انتظارك هنا أو في المحطة التالية. خذ الدابة واركب عليها إلى مرو.»
فضحك السائس وأشار إلى قدميه الغليظتين وقبض يده بشدة كما يعبر الخرس عن القوة؛ يريد أن يقول إن قدميه أسرع من الدابة، فربت صالح على كتفه تحببا وثناء، فلامست أنامله الجلد فابتلت من العرق .
Unknown page