فاستغرب الدهقان هذا السؤال وأوجس منه خيفة؛ لعلمه أن أبا مسلم قليل الكلام، كثير المعاني، فقال: «كيف لم أكن أعرفه؟ ألا تذكر مجلسنا تلك الليلة يوم تلوت علينا وصية الإمام، وتعاقدنا على نصرة هذه الدعوة؛ لأنها دعوة يجب على كل فارسي نصرتها؟»
قال أبو مسلم: «أتذكر نص تلك الوصية؟»
قال: «أذكر فحواها.»
قال أبو مسلم: «وما فحواها؟»
فتعجب الدهقان من تدقيقه، وازداد خوفا مما وراء ذلك، ولكنه تظاهر بالاستخفاف وقال: «أذكر أنه يوصيك ألا تبقي في خراسان لسانا عربيا، وأن تقتل كل من شككت فيه.»
فنظر أبو مسلم إلى الدهقان نظر المتفرس، فلم يطق الدهقان صبرا على تلك النظرة خوفا من عواقبها فأطرق، فقال له أبو مسلم: «وهل عملت بهذه الوصية؟ هل سعيت معنا على العرب أعدائنا؟» قال ذلك بنغمة المرتاب وتجاهل العارف.
فتجلد الدهقان وقال: «كيف لا وأنا لم أدخر وسعا في بذل الأموال واستنهاض الدهاقين لنصرة هذه الدعوة؟!» وكان الدهقان يظن أن أبا مسلم لا يعلم بزفاف جلنار على ابن الكرماني، كما تقدم.
فقال أبو مسلم: «أمن نصرة العجم على العرب أن تزف ابنتك إلى ابن الكرماني ومعها الهدايا من الرقيق والمال؟»
فوقع الرعب في قلب الدهقان ولم يعلم بماذا يجيب، وبدت البغتة في وجهه، ورقصت لحيته، وارتعشت أنامله، ولكنه تجلد وقال وهو يضحك: «إن زفاف ابنتي إلى ذلك العربي إنما كان قبل الاجتماع المذكور.»
فقال: «ألا تذكر أن الفتاة كانت في بيتك ليلة ذلك الاجتماع وقد جالستنا؟»
Unknown page