وكان الضحاك واقفا بالباب يمسك أنفاسه؛ لئلا يسمع صوت تنفسه، ويوشك لعظم اضطرابه أن يسمع دقات قلبه في أذنه، فتجلد، وأحس بارتعاش قدميه فقعد القرفصاء، وأصاخ بسمعه فإذا إبراهيم يقول: «يأمر مولاي بما يريد.»
فقال: «بقي علي أن أتخلص من شيبان؛ أمير الخوارج، فإذا قتلناه تبعثر جند العرب وخلصت الدولة لنا.»
قال: «رأيك هو الصواب. هل تريد أن أرسله إلى خوارزم كما أرسلت ابن الكرماني وشبيبا الملعون؟»
قال: «أخاف ألا تنطلي عليه الحيلة؛ إذ ليس لنا في داره فتاة مثل الدهقانة تهون علينا العمل، والأحسن أن نستقدم شيبان إلينا بحيلة المحالفة أو المخابرة ونقتله، ويخلو لنا الجو.»
قال: «ذلك هين علي إذ شئت فعلته.»
وساد السكون لحظة، فخاف الضحاك أن يكون أبو مسلم عازما على الخروج، فأصاخ بأذنيه فلم يسمع حركة، فعلم أنه يفكر، ثم سمعه يقول: «امض الآن، وسأخبرك ماذا ينبغي أن تفعل.»
فعلم الضحاك أنهما سيخرجان، فهرول القهقرى وودع الحاجب وهو يثني عليه - وما صدق أنه نجا - وسار مسرعا حتى خرج من مرو، ومشى نحو معسكر الخوارج وهو يلعن ذلك اليهودي الذي كان سببا في فشله، فمر في طريقه بمعسكر ابن الكرماني، فخطر بباله خاطر انشرح له صدره؛ لما توهمه فيه من السداد؛ ذلك أنه قال في نفسه: «لأذهبن إلى أمراء اليمنية أصحاب الكرماني وأطلعهم على مكيدة أبي مسلم، وأنه قتل أميرهم غيلة، وأحرضهم على الاتحاد معنا.» فلما خطر له ذلك اختلج قلبه فرحا، فبدل ثيابه وأسرع يطلب فسطاط أمير من اليمنية كان يعرفه ، فلما وصل الفسطاط اعترضه أحد الخفراء، فسأله عن الأمير، فقال: «إنه دخل مرو منذ ساعة.»
قال: «ولماذا؟»
قال: «لأن أبا مسلم دعا أمراء اليمنية جميعهم إليه.»
قال: «وهل ذهبوا جميعا؟»
Unknown page