ثم قال: «لقد أسفت لأنك لم تعاودي المجيء. كانت المحاضرة كئيبة للغاية في الأسبوع التالي.» «كنت سآتي مرة أخرى، لولا أن مناوبتي في العمل أصبحت صباحية. كنت مضطرة إلى أن أعمل.» لم تفصح عن طبيعة ولا مكان عملها، وإنما أضافت قائلة: «اسمي جوليان. أنا أعرف اسمك بالطبع.» «جوليان! هذا اسم غير معتاد لامرأة . هل سميت تيمنا بالكاتبة جوليان النورويتشية؟» «لا، لا أظن أن والدي سمعا بها. عندما ذهب أبي لتسجيل ولادتي أعطى لأمين السجلات اسم جولي آن. كان ذلك هو الاسم الذي اختاره لي والدي في الأصل. لا بد أن أمين السجلات لم يسمعه بوضوح، أو ربما لم ينطقه أبي بوضوح. لم تكتشف أمي ذلك الخطأ إلا بعد ثلاثة أسابيع، وظنت أن الأوان قد فات لتغييره. على كل حال، أعتقد أن الاسم أعجبها؛ لذا عمدت باسم جوليان.» «لكن أعتقد أن الناس ينادونك جولي.» «أي ناس؟» «أصدقاؤك وعائلتك.» «ليس لي عائلة. فوالداي قتلا في أعمال الشغب العنصرية عام 2002. لكن لم سينادونني جولي؟ فاسمي ليس جولي.»
قالت ذلك بأدب جم لا يحمل أي عدوانية. ربما افترض أن تعليقه ذلك أربكها، لكنه لم يكن ثمة ما يدعو للارتباك. ربما كانت ملاحظته تلك خرقاء ووليدة اللحظة وفيها شيء من التلطف المصطنع، إلا أنها لم تكن سخيفة. وإذا كان لقاؤهما ذلك خطوة تمهيدية لأن تطلب منه إلقاء خطاب عن التاريخ الاجتماعي للقرن التاسع عشر، فهو لقاء غير اعتيادي.
سألها: «لماذا تريدين أن تتحدثي معي؟»
الآن وقد حانت اللحظة الحاسمة، شعر بترددها في البدء، لكنه استشعر أن ترددها ذلك لم يكن نابعا من خجلها أو ندمها على ترتيب ذلك اللقاء، بل من أهمية ما ستقوله واحتياجها لأن تتخير كلماتها بعناية.
سكتت لبرهة ونظرت إليه. ثم قالت: «تحدث أشياء في إنجلترا - في بريطانيا - أشياء ليست عادلة. أنا أنتمي إلى جماعة صغيرة من الرفقاء الذين يؤمنون أننا يجب أن نحاول التصدي لها. لقد كنت في السابق أحد أعضاء مجلس إنجلترا. كما أنك ابن خالة الحاكم. فكرنا في أن بإمكانك أن تتحدث معه نيابة عنا قبل أن نتخذ خطوات فعلية. لسنا متأكدين تماما من أن بإمكانك مساعدتنا، لكن اثنين منا، هما أنا ولوك - لوك قس - اعتقدنا أنه ربما بوسعك مساعدتنا. قائد تلك الجماعة هو زوجي رولف، وقد وافق على أن أتحدث إليك.» «لماذا أنت؟ لماذا لم يأت بنفسه؟» «أظن أنه اعتقد - لقد اعتقدوا - أنني أنا التي سأستطيع إقناعك.» «إقناعي بماذا؟» «بأن توافق فقط على لقائنا، كي نشرح لك ما يتعين علينا القيام به.» «ولماذا لا تشرحينه الآن، وبعدها أقرر ما إذا كنت مستعدا لمقابلتكم أم لا؟ وما تلك الجماعة التي تتحدثين عنها؟» «هي جماعة مكونة من خمسة أفراد فقط. لم نبدأ نشاطنا الفعلي بعد. وقد لا نضطر لذلك إن كان ثمة أمل في إقناع الحاكم بالتصرف.»
قال بحذر: «أنا لم أكن يوما عضو كامل العضوية في المجلس، كنت مجرد مستشار شخصي لحاكم إنجلترا. ولم أحضر جلسات المجلس منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولم أعد أقابل الحاكم. وقرابتنا لا تعني شيئا لي ولا له؛ لذا على الأغلب لن يكون تأثيري عليه أكبر من تأثيركم.» «لكنك على الأقل تستطيع مقابلته. أما نحن فلا نستطيع ذلك.» «يمكنكم أن تحاولوا. فهو ليس شخصا يتعذر الوصول إليه تماما. يمكن للناس مهاتفته أحيانا للتحدث إليه. بطبيعة الحال يجب أن يحمي نفسه.» «من شعبه؟ ثم إن مقابلته أو حتى مجرد التحدث إليه، سيؤديان إلى أن تعرف شرطة الأمن الوطني بوجودنا، وربما حتى أن تعرف هوياتنا. ليس من الآمن أن نحاول نحن ذلك.» «هل تعتقدين ذلك حقا؟»
قالت بأسى: «أجل، ألا تظن أنت ذلك؟» «كلا، لا أظن ذلك. لكن إن صح ما تقولين، فما تفعلينه الآن فيه مخاطرة كبيرة. فما الذي يجعلك تظنين أن بإمكانك الوثوق بي؟ أتقولين لي إنك تضعين سلامتك بين يدي استنادا إلى محاضرة واحدة عن الأدب الفيكتوري؟ هل قابلني من قبل حتى أي عضو آخر من تلك الجماعة؟» «كلا. لكن أنا ولوك قرأنا بعض كتبك.»
قال بنبرة جادة: «ليس من الحكمة أن تحكما على نزاهة أي شخص أكاديمي من أعماله المكتوبة.» «لم يكن أمامنا سوى تلك الطريقة. نحن نعلم أن الأمر ينطوي على مخاطرة لكنها مخاطرة لا بد منها. أرجوك وافق على لقائنا. أرجوك، على الأقل استمع لما نود أن نقوله لك.»
كانت في صوتها نبرة استجداء واضحة، وصريحة ومباشرة، وفجأة ظن أنه أدرك سببها. كان التحدث معه فكرتها هي. وقد أتت إليه بإذعان متردد من باقي أفراد الجماعة، وربما حتى دون موافقة قائدها. كانت هي من تخاطر بنفسها. إن رفض طلبها، فسترجع إليهم خاوية الوفاض وذليلة. وأحس أنه لا يستطيع أن يكون سببا في ذلك.
قال، وهو يعلم أنها ستكون غلطة: «حسنا. سأتحدث معكم. متي وأين تودين أن يكون لقاؤنا القادم؟» «يوم الأحد في الساعة العاشرة مساء في كنيسة سانت مارجريت في بينسي. هل تعرفها؟» «أجل، أعرف بينسي.» «إذن موعدنا الساعة العاشرة، في الكنيسة.»
Unknown page