تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر تأليف أبي عبد الله محمد بن أحمد بن قاسم بن سعيد العقباني التلمساني (فقيه توفي بتلمسان عام ٨٧١ هـ - ١٤٦٧ م) تحقيق علي الشنوفي (أستاذ مُبرِّز)

Unknown page

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وسلم يقول العبد المفتقر إلى عفو ربه بتقصيره وعيبه راجي رحمته عبيده سبحانه محمد بن الحسن بن قاسم بن سعيد العقباني غفر الله له ورحمه بمنه وكرمه آمين: الحمد لله الذي قمع بزاجر عقابه وحده من ارتكب مخالفة نهيه وأمره * وصدع بأليم عذابه وصده * قلب من نازع الحق في ملموس سره أو وضوح جهره * وردع الكآبة بحماية الخاصة لبيضة الإسلام وما احتوت عليه من مصالح الأنام في طي الإبلاغ ونشره حلوه ومره * وشرع في خلقه الاستنان بتغيير المناكر وجوبًا مؤكدًا وفرضًا مؤبدًا ما تعاقبت الملوان في أزمنته ودهره * وجعلهم في هذه الملة السمحاء * والشرعة الغراء * بهذا السبب المكين * والحبل المتين * من خير أمة وأكمل لهم دينهم الذي ارتضى لهم وأئمة فسطع نوره على الأديان بعناية الملك الديان تكريمًا لشأنه وتعظيما لقدره نحمده على ما أسدى عليا من نعمه المتظافرة * ونشكره على ما أبدى لدينا من آلائه المتواترة * ونصلي على سيدنا ومولانا محمد خير من أطلعه الله على مكنونات غيبه * وألقي عليه من نباه الكريم قولا ثقيلا فتلقاه بسامي جأشه * وحاضر ذكره وأمره * أن يصدع بما أتاه * ويعرض عمن ناداه * ببادي جحده وعناد كفره * فلم يزل دينه القويم وهديه المستقيم يظهر ويبدو * ويسمو ويعلو * حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا * وأولج المكذبون له أنفسهم إيلاجًا * بمرهقات هذا النبي الكريم * وأسنة قهره صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعثرته الكرام وحزبه ما دام المسبح لله من حي ونبات وصلد وجماد ويسبحه في بره أو بحره. أما بعد فإنك سألتني أن أقيد لك ما حضرني إملاؤه * وأنهى للمسترجي والناظر والقارى ما وسعني إنهاؤه * في شأن الواجب من تغير المنكر وعلى من وجوبه * وفي أي وقت يجب وما يسقط وجوبه * بحدوث ما يتقى أو يحذر وما يفترق به المنكر من غيره مما لا يسوغ أن يبدو في وقت من الأوقات أو يظهر وهل التغيير مخصوص بأهل هذا الدين من المسلمين طوائف أو يشمل من آمن ومن كفر فاعلم وفقنا الله وإياك لجادة الصواب * ومن علينا بالعصمة من زلة القدم وعبث القول في الخطاب أو الكتاب * أن علماء الأمة ﵃ بسطوا القول فيما سألت عنه من تغيير المناكر * وإقامة الحدود والزواجر الشرعية لحفظ الشعائر * في كتبهم المبسوطة المشهورة *

1 / 1

وأقاويلهم المنثورة المأثورة * بحيث تكون مراجعتها مغنية عن السؤال وتلخيص ما طلبته مني في ذلك من جامع الجواب وتهذيب المقال * إذ لم نستحصل من فايض بحورهم العذبة الرايقة * ومعاني أوصافهم وتهذيب المقال * إذ لم نستحصل من فايض بحورهم العذبة الرايقة * ومعاني أوصافهم الجمة الفائقة * إلا اشتمام الرائحة بالأنوف المغلقة * وإعمال الفكرة المشوشة * بالصوارف المحدقة * بما لا يصل إلا وصولًا ضعيفًا لهذه الأفئدة المعلقة * ولكني أستمد من قهر كلامهم ما أضعه لك في هذا الكتاب على شكل التذكرة فلعلك إن راجعت في كتبهم المسطورة * ورواياتهم المشهورة * حصلت على طايل من الاستفادة والتبصرة فقيدت لذلك فيه لك ما حضرني تقييدًا يتبين معه قصوري أو قلة شعوري ولكن الذي سهل علي طريق الأخذ فيه ما زكنته من سماحة الفضلاء وتجاوز السادة النبلاء * فإن تجد عيبًا فسد الخللا * فجل من لا عيب فيه وعلا * وسميته بتحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر * فإن نظره الناظر فيه بعين الصفح بعد التصفح فأقول قطني وحسبي * وإن نظره بعين القدح ولو مع التلمح فلا أزل قائلًا إن ذلك من لازم عيبي وسجية النقص التي هي دائمًا من دأبي * والله يغفر لي من هفوت تعلق بها لساني * أو جفوة خطتها أناملي وبناني * فقلما يخلو من ذلك مؤلف * أو يسلم منه مصنف * ومنه سبحانه أرتجى التوفيق للظفر بمسالك الصواب * وأسأله السداد والعون لما يرضاه ويحبه في البداية وحسن المئاب وقسمته على ثمانية أبواب وخاتمة الكتاب. الباب الأول في دليل مشروعيته الباب الثاني في محال فرضه وندبه وحرمته الباب الثالث في المغير وشروحه الباب الرابع في كيفية التغيير ووجه تناوله الباب الخامس في وجوه مراتبه الباب السادس في معرفة طريق الكشف عنه الباب السابع في أعيان صوره واختلاف محاله الباب الثامن فيما يختص به من ذلك من سألت عنه من أهل الأمة ومن كان في شكلهم من المعاهدين الخاتمة في الأصل في ولاية المتولي لذلك بم تفترق من غيرها من الولايات الشرعية.

1 / 2

الباب الأول في دليل مشروعيته قال مولانا ﷻ في محكم تنزيله * ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن النكر أولئك هم المفلحون﴾ * وقال تعالى * ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾ فقرن تعالى بالمعروف والنهي عن المنكر بالإيمان بالله الذي هو أصل السعادة وسبب النجاة والسلامة لعظيم خطره وجلاله قدره وسبب ذلك كانوا خير أمة أخرجت للناس واستحقوا مدحة الله التي هي أكبر نعمة وقال تعالى * ﴿الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر﴾ * فقرنه أيضا مع الصلاة والزكاة التي هي عماد الدين وشعار المسلمين وبترك ذلك عاب على بني إسرائيل وأوجب عليهم اللعنة وقال تعالى * ﴿لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصو وكانوا معتدين كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون﴾ * وقال تعالى * ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين﴾ * وقال ﷺ: والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتطرنه على الحق أطرا أو ليصرفن قلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعن بني إسرائيل كان إذا عمل العامل منهم بالخطيئة نهاهم الناهي فإذا كان من الغد جالسه وواكله وشاربه وكأنه لم يره على خطيئة بالأمس فلما رأى الله منهم ذلك صرف قلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبيهم داوود وعيسى صلى الله عليهما ذلك بما عصوا وكانوا معتدين. وقال رسول الله ﷺ: " إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة ولكن إذا عملوا المنكر جهارًا استحقوا العقوبة كلهم وقالت عائشة رضها: قال رسول الله ﷺ: عذب الله أهل قرية فيها ثمانية عشر ألفا أعمالهم كأعمال الأنبياء. قالوا يا رسول الله: كيف ذلك. قال: لم يكونوا يغضبون لله ﷿ ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر.

1 / 3

الباب الثاني في محال فرصة وندبة وحرمته أما حكمه ففرض متأكد وواجب متعين فلا أحد من المخاطبين إلا وقد تعين عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو في نفسه وأهله وعياله: قال رسول الله ﷺ: ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. الحديث في هذا عام الأعيان وكذلك فيما حضر أحد مواقعة أحد المنكر أو علمه فأمكنه القيام مع وجود الشروط وانتفاء الموانع وجب ذلك عليه. قال ﷺ: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده * فإن لم يستطع فبلسانه * فإن لم يستطع فبقلبه * وذلك أضعف الإيمان. فلا يسقط جرحه من رأى منكرًا وعلمه ولا القيام بتغييره على الفورية بحيث لا يمر عليه زمن تفريط لأن كون القيام بذلك من الإيمان يدل على أن تركه من الضلال والخسران وإذا كان ذلك واجبًا متأكدًا على كل من علمه بحسب وسعه فهو على الأئمة والولاة والقضاة وسائر الحكام أوجب وآكد إنهم متمكنون من التغيير بعلو اليد وامتثال الأمر ووجوب الطاعة وانبساط الولاية. يدل عليه قله سبحانه * ﴿الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا لزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر﴾ * فإن من أنواع القيام بذلك ما يدعو إلى الاستيلاء وإقامة الحدود والعقوبات مما لا يفعله إلا الولاة والحكام. فلا عذر لمن قصر منهم عند الله تعالى لأنه إذا أهمل هؤلاء القيام بذلك فجدير ألا يقدر عليه من هو دونهم من رعيتهم فيشك أن تضيع حرمات الدين ويستباح حمى الشرع والمسلمين. فحكمه على الجمة الفرض المتأكد لكن قد ينقلب إلى الامتناع والحرمة وذلك في حق شخصين أحدهما الجاهل بالمعروف وبالمنكر بحيث لا يميز موضوع أحدهما من الآخر فهذا ايحرم في حقه فإذا كان عالمًا بالمعروف والمنكر وأمن من التسبب بمنكر أعظم وعلم أو غلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له وأن أمره بالمعروف مؤثر فيه ونافع وجب عليه التغيير وإذا لم يعلم ذلك ولا غلب على ظنه لم يجب عليه أمر ولا نهي ولهذا قال الشيخ ابن رشد "في مقدماته" وفي بيانه فالشرطان الأولان مشروطان في الجواز والشرط الثالث مشترط في الوجوب فإذا عدم الشرط الأول والثاني

1 / 4