CHECK [مقدمة]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على نعمه وإحسانه في الدين والدنيا وصلواته على محمد وآله الطيبين (أما بعد) فان أولى ما يتكلفه المرء في أثارة العلوم ما يعظم النفع به في دينه ودنياه فيعرف كيف يعبد ربه في الصلاة والصيام وغيرهما (وذلك) بقراءة القرآن وبالانقطاع إلى الله، وكل ذلك لا يتم الا بمعرفة معاني ما يقرؤه وما يورده في ادعيته من الأسماء الحسنى إما مفصلا وإما على الجملة فانه تعالى قد أودع القرآن من المواعظ والزواجر وغيرهما ما اذا تأمله المرء وقعت به الكفاية: وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقد حذره عن اختلاف الأمة بعده: عليكم بكتاب الله فان فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم وحكم ما بينكم ما يدعه من جبار إلا قصمه الله ومن يتبع الهدى في غيره اضله الله وهو حبل الله المتين وأمره الحكيم وهو الصراط المستقيم هو الذي لما سمعه الجن لم يتناءوا أن قالوا (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد) هو الذي لا تختلف به الألسنة ولا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه: ومعلوم انه لا ينتفع به إلا بعد الوقوف على معاني ما فيه وبعد الفصل بين محكمه ومتشابهه فكثير من الناس قد ضل بأن تمسك بالمتشابه حتى اعتقد ان قوله تعالى (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض) حقيقة في الحجر والمدر والطير والنعم وربما رأوا في ذلك تسبيح كل شيء من ذلك ومن اعتقد ذلك لم ينتفع بما يقرؤه ولذلك قال تعالى (أفلا يتدبرون القرآن) وكذلك وصفه تعالى بأنه (يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين) وقد أملينا في ذلك كتابا يفصل بين المحكم والمتشابه عرضنا فيه سور القرآن على ترتيبها وبينا معاني ما تشابه من آياتها مع بيان وجه خطأ فريق من الناس في تأويلها ليكون النفع به أعظم ونسأل الله التوفيق للصواب ان شاء الله.

Page 7

AUTO (بسم الله الرحمن الرحيم)

معنى بسم الله الابتداء به تبركا والاستعانة في كل امر مهم: ومعنى الله ان العبادة به تليق دون غيره لأنه الخالق والمنعم بسائر النعم: ومعنى الرحمن المبالغة في الانعام العظيم الذي لا يقدر عليه إلا الله تعالى: ومعنى الرحيم المبالغة في الاكثار من الرحمة والنعمة وقد يوصف بذلك غيره أيضا.

[مسألة]

قالوا ما وجه الابتداء ببسم الله وهلا قيل بالله الرحمن الرحيم فالاستعانة بالله تقع لا باسمه. وجوابنا ان الأمر كما قالوا لكنه ذكر اسمه وأريد هو على وجه الاعظام وهذا كقوله تعالى (سبح اسم ربك) فأمر بتنزيه اسمه وأراد تنزيهه عما لا يليق به لكنه ذكر الاسم تعظيما له وهذا كما يقال صلوات الله على ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.

[مسألة]

قالوا فما وجه ذكر هذه الاسماء الثلاثة دون غيرها. قيل له ذكر الله لأن المكلف قد اختص بأن لزمته عبادته وهو الذي يعرف أنواع نعمه وذكر الرحمن الرحيم لأنه لأجل ذلك استحق العبادة.

Page 8

AUTO سورة الحمد

معنى الحمد لله الشكر لله وكيف نشكره فعلمنا تعالى ذلك.

[مسألة]

قالوا الحمد لله خبر فان كان حمد نفسه فلا فائدة لنا فيه وان أمرنا بذلك فكان يجب أن يقول قولوا الحمد لله. وجوابنا عن ذلك ان المراد به الامر بالشكر والتعليم لكي نشكره لكنه وان حذف الامر فقد دل عليه بقوله (إياك نعبد وإياك نستعين) لأنه لا يليق بالله تعالى وإنما يليق بالعباد فاذا كان معناه قولوا (إياك نعبد) فكذلك قوله (الحمد لله) وهذا كقوله (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم) معناه ويقولون (سلام عليكم) ومثله كثير في القرآن.

[مسألة]

وربما قالوا لما ذا أعاد (الرحمن الرحيم) وقد تقدم من قبل.

وجوابنا ان ذلك ليس بتكرار لأن المراد بالأول توكيد الاستعانة والمراد بالثاني توكيد الشكر له فلذلك كرر.

[مسألة]

Page 9

قالوا ما معنى قوله (مالك يوم الدين) ويوم الدين ليس بموجود حالا وكيف يملك المعدوم وما فائدة ذلك. وجوابنا ان المراد القادر على (ذلك اليوم) الذي فيه الجنة على عظم شأنها والنار على عظم امرها وفيه المحاسبة والمساءلة فنبه تعالى بذلك على انكم ان شكرتم وقمتم بالواجب فلكم من الفوز في الآخرة بالثواب نهاية ما تتمنون فصار ذلك ترغيبا في الشكر والعبادة وزجرا عن خلافه واذا قرئ «مالك» فالمراد به القدرة على يوم الدين واذا قرئ «ملك» فالمراد به القدرة على العباد الذين يتصرف تعالى فيهم بما يوجب الانقياد له.

[مسألة]

قالوا ما معنى (اهدنا الصراط المستقيم) وعندكم ان الله تعالى قد هدى الخلق بالادلة والبيان فما وجه هذا الطلب والدعاء. وجوابنا على ذلك انه تعالى وان مكن وأقدر المكلف ففي قدرته تعالى من زيادة البيان والادلة والالطاف والعصمة ما ينتفع به العبد اذا أمده بها والعبد يجوز ذلك فيطلبه وهذا كما قال تعالى (والذين اهتدوا زادهم هدى) فأمر تعالى العبد أن ينقطع الى الله تعالى فيقول (إياك نعبد) وان لا يكذب في ذلك فيكون مراده بالصلاة الرياء والسمعة وأن لا يستعين الا بالله تعالى وأن يستمد من جهته الالطاف والمعونة على الصراط المستقيم الذي هو دينه وطريقة من أنعم الله عليه لا طريقة الكفار الذين ضلوا فغضب الله عليهم.

Page 10

AUTO سورة البقرة

[مسألة]

قالوا ما الفائدة في قوله تعالى (الم) ولا يعقل من ذلك في اللغة فائدة وكيف يجوز ذلك والقرآن عربي والعرب لا تعرف ذلك. وجوابنا ان الله تعالى جعل ذلك اسما للسورة وعلى هذا الوجه يقال سورة (ق) (وحم) السجدة وسورة (طه) ولله تعالى ان يجعل لهذه السورة اسما وهذا مروي عن الحسن البصري وغيره ومتى قيل فقد حصل في ذلك اشتراك ولا بد من ضم زائدة اليه فلا فائدة إذا في ذلك. فجوابنا أن الألقاب كزيد وعمرو يقع فيها أيضا الاشتراك ثم تمييزها بزيادة وقيل أيضا في جوابه ان فائدة ذلك أن القرآن مؤلف من هذه الحروف التي تقدرون عليها «ومع» ذلك يتعذر عليكم هذا النظم بفضل رتبته فاعلموا انه معجز.

[مسألة]

ومتى قيل ولما ذا قال تعالى (ذلك الكتاب) ولم يقل هذا الكتاب. فجوابنا أنه جل وعز وعد رسوله إنزال كتاب عليه لا يمحوه الماء فلما أنزل ذلك قال (ذلك الكتاب) والمراد ما وعدتك ولو قال هذا الكتاب لم يفد هذه الفائدة.

[مسألة]

Page 11