[مقدمة المؤلف]: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حقَّ حمده، وصلاته على محمد خيرِ خلقه، وعلى آله وصحبه. هذا كتابٌ مختصرٌ في أصولِ مذهب الشافعيِّ ﵁، إذا قَرَأَهُ المبتدي وتصوَّرَه تنبَّه به على أكثر المسائل، وإذا نظر فيه المنتهي تذكَّر به جميع الحوادث إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل، وإياه أسأل أن ينفع به، إنه قريب مجيب.

1 / 11

كتاب الطهارة: باب المياه: قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ (١). ولا يجوز رفع حدث ولا إزالة نجس إلا بالماء المطلق، وهو ما نزل من السماء أو نبع من الأرض على أي صفةٍ كان من أصل الخلقة. وتُكره الطهارة بماء قُصِد إلى تشميسه، وإذا تغيّر الماء بمخالطة طاهرٍ يستغني الماء عنه -كالزعفران، والأُشنان (٢) - لم تجز الطهارة به، وإن تغيّر بما (٣) لا يختلط به -كالدهن، والعود- جازت الطهارة به في أحد القولين. وإن وقع في ماء دون القلتين نجاسة لا يدركها الطرْف لم تنجِّسْه، وقيل: تنجِّسه، وقيل: فيه قولان، وإن كان مما يدركها الطرْف؛ فإن كانت ميتة لا نفس لها سائلة لم تنجِّسه في أحد القولين، وهو الأصلح للناس، وتنجِّسه في الآخر، وهو القياس. وإن كان غير ذلك من النجاسات نجّسه، وإن كان الماء قلتين ولم يتغير فهو طاهر. وإن تغيّر فهو نجس، وإن زال التغير بنفسه أو بماء طهُر، وإن زال بالتراب ففيه قولان: أصحهما: أنه يطهر. وقال في القديم: إن كان الماء جاريًا لم ينجس إلا بالتغير. وما تطهر به من حدث فهو طاهر غير مطهر في أظهر القولين، فإن بلغ قلتين جازت الطهارة به، وقيل: لا تجوز. _________ (١) الفرقان: ٤٨. (٢) بالضم والكسر: من الحمض، معروف، الذي نغسل به الأيدي، والضم أعلى. انظر: لسان العرب ١٣/ ١٨. (٣) في النسخة المطبوعة: (بماء). والمثبت من كفاية النبيه لابن الرفعة. [معده للشاملة].

1 / 13

باب الآنية: تجوز الطهارة من كل إناء طاهر إلا ما اتُخِّذَ من ذهب أو فضة؛ فإنه يحرم استعماله في الطهارة وغيرها، فإن تطهر منه صحت طهارته. وهل يجوز اتخاذه؟ فيه وجهان، وما اتخذ من بلور أو ياقوت ففيه قولان: أظهرهما: أنه لا يحرم. وما ضُبب بالفضة إن كان قليلا للحاجة لم يكره، وإن كان للزينة كره، وإن كان كثيًرا للحاجة كُره، وإن كان للزينة حرُم. وقيل: إن كان في موضع الشرب حرم، وإن كان في غيره لم يحرم. وقيل: لا يحرم بحال. ويستحب أن تحمر الآنية، فإن وقع في بعضها نجاسة واشتبه عليه تحرى وتوضأ بالطاهر على الأغلب عنده. وقيل: إن كان معه ماء يتيقن طهارته لم يتحر، وإن اشتبه ذلك على الأعمى ففيه قولان: أحدهما: يتحرى. والثاني: لا يتحرى. ومن اشتبه عليه ماء وبول أراقهما، وتيمم. باب السواك: السواك سنة عند القيام إلى الصلاة، وعند كل حالٍ يتغير فيها الفم من أزم (١) وغيره. ويكره للصائم بعد الزوال. ويستحب أن يستاك بعود من أراك. وأن يستاك بيابس قد نُدِّي بالماء، والمستحب أن يستاك عرضا، ويدهن غِبًّا (٢)، ويكتحل وترًا، ويقلم الظفر، وينتف الإبط، ويحلق العانة، ويقص الشارب، ويُكره القزع (٣). ويجب الختان. _________ (١) الأزم: هو الصمت، والمراد: الصمت الطويل. لسان العرب: ١٢/ ١٨. (٢) غبا: قال الكسائي: "أغببت القوم، وغببت عنهم: من الغب؛ جئتهم يومًا، وتركتهم يومًا، والمراد يوما بعد يوم، وقتا بعد وقت. لسان العرب ١/ ٦٣٦. (٣) القزع هو: أن يحلق رأس الصبي، ويترك منه مواضع متفرقة غير محلوقة تشبيها بقزع السحاب. انظر: لسان العرب ٨/ ٢٧٢.

1 / 14

باب صفة الوضوء: إذا أراد الوضوء نوى رفع الحدث، أو الطهارة للصلاة، أو الطهارة لأمر لا يُستباح إلا بالطهارة؛ كمس المصحف وغيره، ويستصحب النية إلى آخر الطهارة. ويُسمي الله تعالى. ويغسل كفيه ثلاثًا، فإن كان قد قام من النوم كُره أن يغمس كفيه في الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثا. ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا، يجمع بينهما في أحد القولين بغرفة. وقيل: بثلاث غرفات، ويفصل بينهما في الآخر بغرفتين. وقيل: بست غرفات. ويُبالغ فيهما إلا أن يكون صائمًا فيرفق. ثم يغسل وجهه ثلاثًا، وهو ما بين منابت شعر الرأس ومنتهى اللحيين والذقن طولا، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا، فإن كان عليه شعر كثيف لم يلزمه غسل ما تحته، ويستحب أن يخلل الشعور إلا الحاجب والشارب والعنفقة (١) والعذار (٢)؛ فإنه يجب غسل ما تحتها وإن كثف الشعر عليها، وفيما نزل من اللحية عن الذقن قولان: أحدهما: يجب إفاضة الماء على ظاهره. والثاني: لا يجب. ثم يغسل يديه ثلاثًا، ويجب إدخال المرفقين في الغسل، فإن كان أقطع من فوق المرفق استحب له أن يمس الموضع ماء. ثم يمسح رأسه فيبدأ بمقدم رأسه، ثم يذهب باليدين إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ويفعل ذلك ثلاثًا. ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد ثلاثًا، ويأخذ لصماخيه ماء جديدًا. ثم يغسل رجليه ثلاثًا، ويلزمه إدخال الكعبين في الغسل، وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، ويخلل بين أصابعه، ويستحب إذا فرغ من الوضوء أن يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله"، وأن لا ينفض يديه، ولا ينشف أعضاءه، وأن لا يستعين في وضوئه بأحد، وإن استعان جاز. _________ (١) العنفقة: ما نبت على الشفة السفلى من الشعر. لسان العرب ١٠/ ٢٧٧. (٢) العذار والعذاران: جانب اللحية؛ لأن ذلك موضع العذار من الدابة. انظر: لسان العرب ٤/ ٥٥٠.

1 / 15

باب فروض (١) الوضوء، وسننه: وفروض الوضوء ستة: النية عند غسل الوجه. وغسل الوجه. وغسل اليدين. ومسح القليل من الرأس. وغسل الرجلين. والترتيب على ما ذكرناه. وأضاف إليه في القديم التتابع، فجعله سابعًا. وسننه عشرة: التسمية. وغسل الكفين. والمضمضة. والاستنشاق. ومسح جميع الرأس. ومسح الأذنين. وتخليل اللحية الكثة. وتخليل أصابع الرجلين. والابتداء باليمنى. والطهارة ثلاثًا ثلاثًا. باب المسح على الخفين: ويجوز المسح على الخف في الوضوء للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة. وابتداء المدة من حين يحدث بعد لبس الخف، فإن مسح في الحضر ثم سافر، أو مسح في السفر ثم أقام؛ أتم مسح مقيم، وإن شك في وقت المسح أو في انقضاء مدة المسح بنى الأمر على ما يوجب الغسل. ولا يجوز المسح إلا أن يلبس الخف على طهارة كاملة. ولا يجوز إلا على خف ساتر للقدمين يمكن متابعة المشي عليه. وفي المسح على الجرموقين (٢) قولان: أحدهما: يجوز. والثاني: لا يجوز. والسنة أن يمسح أعلى الخف وأسفله؛ فيضع يده اليمنى على موضع الأصابع، واليسرى تحت عقبه، ثم يمر اليمنى إلى ساقه، واليسرى إلى موضع الأصابع، فإن اقتصر على مسح القليل من أعلاه أجزأه، وإن اقتصر على ذلك من أسفله لم يجزئه على ظاهر المذهب، وإن ظهرت الرجل، أو انقضت مدة المسح وهي على طهارة المسح؛ غسل القدمين في أصح القولين، واستأنف الوضوء في الآخر. _________ (١) في المطبوع (فرض)، وكذا في التي بعدها، والمثبت من كفاية النبيه. [معده للشاملة]. (٢) الجرموق: الذي يُلبس فوق الخف. انظر: مختار الصحاح ١٠٦.

1 / 16