بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد سيدنا وآله وصحبه قال أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري ﵀: الحمد لله خير ما بدئ به الكلام وخُتم؛ وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم. هذا كتاب نبهت فيه، على أوهام أبي عليّ ﵀ في أماليه؛ تنبيه المنصف لا المتعسف ولا المعاند، محتجًاّ على جميع ذلك بالشاهد والدليل؛ فإني رأيت من تولى مثل هذا من الرد على العلماء والإصلاح لأغلاطهم، والتنبيه على أوهامهم؛ لم يعدل في كثير مما رده عليهم، ولا أنصف في جُمل مما نسبه إليهم. وأبو عليٍّ ﵀ من الحفظ وسعة العلم والنُّبل، ومن الثقة في الضبط والنَّقل؛ بالمحل الذي لا يُجهل، وبحيث يقصر عنه من الثناء الأحفل؛ ولكن البشر غير معصومين من الزلل، ولا مُبرَّئين من الوهم والخطل؛ والعالم من عُدَّت هفواته، وأُحصيت سقطاته: كفى المرءَ نُبْلًا أن تُعَدُّ معايبُه فلما أوريت من هذه الفوائد كابيها، وأبديت خافيتها، أعطيت بها القوس باريها؛ وأهديتها إلى المعتمد على الله، المؤيد بنصر الله؛ خلَّد الله دولته، وثبت وطأته: لألتماسه أسرار الحكم، وأقتباسه أنوار الكلم، وعنايته بأنواع العلم، وأخذه من جميعها بأوفر قسم؛ لا أعدمه الله نجمًا من السعد مُليحًا، وطائرًا من اليمن سنيحًا.

1 / 15

التنبيهات الواردة على الجزء الأول في " ص٦ س ٣ و٧ " أنشد أبو عليٍّ ﵀ أشعارًا منها قول بُرية بن النعمان ولم ينسبه أبو عليٍّ ﵀: لَقَد تَركتْ فُؤَادَك مُسْتَحِنًّا ... مُطَوَّقةٌ على فَنَنٍ تَغَنَّى يَمِيلُ بها وتَركَبُهُ بِلَحْنٍ ... إذا ما عَنَّ للمَحزُونِ أَنَّا ومنها قول الآخر: وهَاتِفَيْنِ بشَجْوٍ بعَد مَا سَجَعَتْ ... وُرْقُ الْحَمَامِ بتَرْجيعٍ وإرْنَانِ بَاتَا على غُصْنِ بانٍ في ذَرَى فَنَنٍ ... يُرَدِّدَانِ لُحُونًا ذاتَ ألوانِ

1 / 16

وفسر ما ورد في هذه الأشعار من ألحان الحمام أن المراد به اللغات. وإنما المراد به اللحن الذي هو ضرب من الأصوات المصوغة للتغني؛ ودليل ذلك قوله: مُطوَّقةٌ على فَنَنٍ تغَنَّى وقول الآخر: يُرَدِّدَانِ لُحُونًا ذاتَ ألوانِ إنما أراد ذات ألوان من الترجيع كما قال في البيت قبله: ....بِتَرجِيع وإرْنانِ * * * وفي " ص ٦ س ١٦ " قال أبو علي ﵀ وأصل اللحن أن تريد الشيء فتورِّى عنه، كقول رجل من بني العنبر كان أسيرًا في بكر بن وائل. وذكر الخبر بطوله، وفسَّرَ ما فيه إلى قوله: يريد بقوله: إن العرفج قد أدبى: أن الرجال قد استلاموا، أي لبسوا الدروع ليس في قوله: " إن العرفج قد أدبى " دليل على ما ذكره أبو علي ﵀ ولا من عادة العرب أن تلبس الدروع إلا في حال الحرب. وأما في بيوتها قبل الغزو فذلك غير معروف، وإنما أراد بذلك أن يؤذنهم وقت الغزو، وينبتهم على التيقظ والحذر. قال أبو نصر ﵀: إدباءُ العرفج: أن يتسق نبته ويتأزر، وإذا اتَّسق النبت وتأزر أمكن الغزو. وقال أبو زياد ﵀: العرفج: نبت طيب الريح أغبر إلى الخضرة، له زهرة صفراء ولا شوك له؛ ويقال له إذا اسودَّ عوده حتى يستبين فيه النبات: قد أقمل، فإذا زاد قليلا، قيل: قد ارقاطَّ، فإذا زاد قليلا، قيل: قد أدبى، وهو حينئذ قد صلح أن يؤكل، فإذا أعتم وطفحت خوصته وأكلأ، وقيل: قد أخوص، فإذا ظهرت عليها خُضرة الرِّيِّ، قيل: عرفجة خاضبة. ومنابت العرفج يقال لها: المشاقر، وهي أيضا: الحومان، وتكون في السهل والجبل.

1 / 17

* * * وفي " ص ٧ س ١٠ " وأنشد أبو علي ﵀ في آخر هذا الخبر شعرًا أوله: إنّ الذِّئابَ قد اخْضَرَّتْ بَراثِنهُا ... والناسُ كُلُّهُمُ بَكْرٌ إذا شَبِعُوا وقال: يريد الناس كلهم عدو لكم إذا شبعوا كبكر بن وائل. لم يرد الشاعر هذا المعنى، لأن الناس كلهم لم يكونوا عدوا لبني تميم ولا أقلهم، وإنما يريد أن الناس إذا شبعوا هاجت أضغانهم وطلبوا الطوائل والتراث في أعدائهم. فكانوا لهم كبكر بن وائل لبني تميم؛ كما قال الشاعر - أنشده ثعلب عن ابن الأعرابي -:

1 / 18

لَوْ وصَلَ الغَيْث ُلاَ بَنْينَ امرأَ ... كانتْ له قُبّةٌ سَحْقَ بِجَادْ يقول: لو اتصل الغيث وأخصبنا لا غرنا على الملك وأخذنا متاعه وقبته حتى تحوجه أن يتخذ قبة من قطعة كساء. قال أبو عمرو ﵀: وإنما يغيرون في الخصب لا في الجدب؛ وقال آخر: يا بن هشامٍ أهلك الناسَ اللّبَنْ ... فكلّهم يَسْعَى بقَوسٍ وقَرَنْ يقول: لما كثر الخصب سعى بعضهم إلى بعض بالسلاح؛ وقال آخر: قومٌ إذا نَبَتَ الربيعُ لهم ... نَبَتَتْ عَداوتُهم مع البَقلِ وقال: وفي البقل إن لم يدفع الله شَرَّهُ ... شياطينُ يَنْزُو بعضُهنّ إلى بعض وقال: قومٌ إذا اخضرَّت نعالُهم ... يتناهقون تناهُقَ الْحُمرِ يعني: يتناهقون من الأشر والبغي؛ وبعض الناس يتأول أن النعال هنا: نعال الأقدام، وإنما النعال: الأرضون الصلاب، واحدها نعلٌ؛ وإذا أخصبت النعال فما ظنك بالدِّماث. ومنه الحديث: " إذ ابتلت النعال فصلوا في الرحال " معناه: إذا انزلقت الأرض فصلوا في البيوت.

1 / 19