بسم الله الرحمن الرحيم وبه الحول والقوة، ولا حول ولا قوة إلا به أما على أثر حمد الله الذي هو أول كتابه، وآخر دعوى ساكني دار ثوابه، والصلاة والسلام على محمد خير خيرته من بريته، وعلى الصفوة من ذريته، فإن خير القول ما شغل بخدمة خير من جمع الله له عزة الملك إلى بسطة العلم، ونور الحكمة إلى نفاذ الحكم، وجعله مبرزًا على ملوك العصر، ومدبري الأرض، وولاة الأمر. بخصائص من العدل، وجلائل من الفضل، ودقائق من الكرم المحض. لا يدخل أيسرها تحت العادات، ولا يدرك أقلها بالعبارات. ومحاسن سير تطرسها أسنة الأقلام، وتدرسها ألسنة الليالي والأيام. وهذه صفة تغني عن تسمية الموصوف؛ لاختصاصه بمعناها، واستحقاقه إياها، واستئثاره على جميع الملوك بها. ويعلم سامعها ببديهة السماع أنها لمولانا الأمير السيد الأجل شمس المعالي أطال الله بقاءه، ونصر لواءه خالصة وعليه مقصورة، وبه آنسة، وعن غيره نافرة، إذ هو

1 / 3

أدام الله سلطانه، وحرس عزه ومكانه بمعاينة الآثار، وشهادة الأخبار، وإجماع الأولياء وإصفاق الأعداء، كافل المجد، وكافي الخلق، وواحد الدهر وغرة الدنيا. ومفزع الورى، وحسنة العالم، ونكتة الفلك الدائر، فبلغه الله تعالى أقصى نهايات العمر، كما بلغه أبعد غايات الفخر، وملكه أزمة الأرض، كما ملكه أعنة الفضل. وأدام حسن النظر للعباد والبلاد بإدامة أيامه، التي هي أعياد الدهر، ومواسم اليمن والأمن، ومطالع الخير والسعد، وزاد دولته شبابًا ونموًا، كما زاده في السن علوًا، حتى تكون السعادات وفد بابه، والبشائر قرى سمعه، والمسار غذاء نفسه، يترامى به الإقبال إلى حيث لا يبلغه أمل، ولا يقطعه أجل. وبعد: فلمولانا الأمير الأجل شمس المعالي أدام الله علوه، وكبت عدوه عبيد ينتمون إلى شرف خدمته، وإن أقعدتهم العوائق عن كعبة الملك من حضرته، - حرسها الله وآنسها - ومنهم هذا العبد الذي شعاره الاعتزاء إلى خدمته، والاعتزاز بالعبودية لسدته. ودأبه خدمة الأدب، ومنادمة الكتب؛ ليتدرج منها إلى خدمة المجلس العالي - أدام الله جلاله وجماله - بما يجري في زمرة العبيد والخدم اسمه، ويجدد في صحيفة المتقربين إليه ذكره. وقد كان لما ورد الحضرة العالية - أدام الله علوها - ووصل منها إلى رواق العز، واكتحل بشخص المجد. خدمها بكتاب من بنات فكره، مترجم بالمبهج، فاشتمل عليه جناح القبول، وتفتق معه نور المأمول. وحين صدر عنها - وقد درت عليه سحائب الإنعام، وأجنت له ثمرات الإكرام، واستصحب الأمان من الزمان - تعاور المستعيرون انتساخ الكتاب، حتى

1 / 4

سار في البلاد، بل طار في الآفاق، وعليه من الإسم العالي - ثبته الله - طراز، به تنفق سوقه، وتهب ريحه. ومازال العبد يريد أن يشفع ذلك الكتاب بما يحفظ معه عادة الخدمة، ويقضي به بعض حق ولي النعمة. عند مشافهة السعادة بمعاودة الحضرة - حرسها الله وآنسها - فتعرض موانع، وتعترض قواطع، إلى أن استظهر بشعار الدولة - أنماها الله تعالى على ما يتشرف بالاسم العالي - ثبته الله، من كتاب في التمثيل والمحاضرة: إسلامي وجاهلي، وعربي عجمي، وملوكي سوقي، وخاصي وعامي، يشتمل على أمثال الجميع، ويضم نشر ما يجري مجراها من ألفاظهم، ويتضمن ما يأخذ مأخذها من فرائد النثر. وقلائد النظم، وفوائد الجد، ونوادر الهزل. فيوجد فيه ما يتمثل به من القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وجوامع كلم النبي ﷺ، وكلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله، وكلام الصحابة والتابعين ﵃ بعده، وعيون أمثال العرب والعجم، وما يناسبها وما يشاكلها من نتف الخلفاء، وفقر الملوك والوزراء، ونكت الزهاد والحكماء، ولمع المحدثين والفقهاء، وحكم الفلاسفة والأطباء، وغرر البلغاء والشعراء، وملح المجان والظرفاء، وطرف السؤال والغوغاء، وما تختص به كل طبقة من هؤلاء، وما ينفرد به كل فرقة من الدهاقي والتجار، وسائر أهل الصناعات المتباينة الأقدار، ولا يعدم فيه ما يتمثل به من الشمس والقمر والنجوم، والآثار العلوية، والدهر والدنيا، وضروب الجمادات، وأنواع الحيوانات، وصنوف الأدوات والآلات، ولا يشذ عنه ما ينخرط في سلك الأمثال: من ذكر الأحوال والمحاسن والمساوئ والأوصاف. وهو مفصل أربعة فصول:

1 / 5

الفصل الأول: في المدخل والأنموذج. الفصل الثاني: في سياقة ما يجري مجرى الأمثال من الأقوال الصادرة عن طبقات الناس، وذوي المراتب المتباينة، والصناعات المختلفة، وذكر ما لهم وما عليهم، ووصف أحوالهم ومتصرفاتهم. الفصل الثالث: فيما يكثر التمثل به من جميع الأشياء. الفصل الرابع: في سائر الفنون والأغراض وهو مفصل أيضًا أربعة فصول: الفصل الأول منه: في ذكر أحوال الإنسان وأطواره المختلفة. والفصل الثاني منه: في المحاسن ومكارم الأخلاق والممادح. والفصل الثالث منه: في ذكر المقابح ومساؤئ الأخلاق. والفصل الرابع منه: في فنون مختلفة الترتيب. وقد حمله العبد إلى المجلس العالي - أدام الله تعالى شرفه - راجيًا وقوعه موقعه، ومنتظرًا تطول مولانا الأجل أدام الله بسطته وغبطته، بالإذن في عرضه عليه، وهو يسأل الله تعالى مسألة المبتهل إليه، الماد في التضرع إليه يديه، أن يديم إيناس الدنيا باتصال أيامه، ولا يعطلها عن التحلي بنضارة زمانه، وأن يجمع جميع آثار الدعوات الصالحة الصاعدة المستجابة له ولا يعدم المعالي والمكارم ظله بمنه وقدرته وسعة رحمته.

1 / 6

الفصل الأول من الكتاب في المدخل والأنموذج مما يجري مجرى الأمثال من ذكر الله تعالى في فنون الأغراض والمقاصد من ذلك لطائف التحميد الحمد لله شعار أهل الجنة. الحمد لله الذي إذا شئت أنزلت حاجتي به من غير شفيع. الحمد لله الذي لا يحمد على المكروه غيره، قاله: أبو شراعة وقد نظر في المرآة فرأى دمامة وجهه. الحمد لله الذي يقتل أولادنا ونحبه، قاله: عبد الملك بن مروان، وقد أصيب ببعض أولاده. بحمد الله لا بحمدك، قالته: عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبيها للنبي ﵊ حين نزلت آية الإفك. ومن ذلك ما روي عن النبي ﵊: " من تواضع لله رفعه الله ". " من كثرت نعم الله لديه كثرت حوائج الناس إليه ". " إن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المسلم ". " إن الله يحب معالي الأمور، ويبغض سفسافها ". " التأني من الله، والعجلة من الشيطان ". " إذا أراد الله أمرًا يسر أسبابه ". " إن الله إذا أنعم على عبدٍ نعمةً أحب أن يرى أثرها عليه " عفو الله اكثر من ذنبي.

1 / 7