بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُقَدّمَة الطبْعَة الثَّانيَة هذه هى الطبعة الثانية من كتاب التكملة لأبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار النحوي المعروف بالفارسي المتوفى سنة ٣٧٧ هـ. وكانت الطبعة الأولى منه قد صدرت عام ١٩٨١ من دار الكتب بجامعة الموصل، وكنت في وقتها موفدًا للتدريس في جامعة محمد الأول/ بوجدة في المغرب الشقيق مما حال بيني وبين الإشراف القريب على مسودات الطباعة. وهذه مناسبة طيّبة لأن أنوّه بالشكر الجزيل للصديقين الدكتور محمد مجيد السعيد رئيس جامعة الموصل -في حينه- والدكتور سعيد الزبيدي التدريسي فيها آنذاك، لما قاما به من متابعة إخراج الطبعة الأولى، ذلك أنني لم أتمكن من شكرهما في وقت ظهورها. غير أن كتابًا مثل كتاب التكملة، على أية حال، لن تسد الحاجة إليه طبعة واحدة وفي زمن بعينه. بل هو كتاب لا غنى لدارس اللغة العربية ومدرّسها من الرجوع إليه بنفس القدر الذي لا غنى فيه للمكتبة العربية بأنْ يُرفد إليها بين الآونة والأخرى. وهذا الأمر يصح أيضًا على غير التكملة من شوامخ المصادر والمراجع التي كانت قد ظهرت مرة وعلى الأخص ما كان منها قد طبع قبل أنْ تحقق حركة التحقيق العلمي للمخطوطات هذا الحضور الراسخ في حياتنا الثقافية المعاصرة. إن قضيّة تحقيق المخطوطات قد توطدت أصولها وأدواتها المعرفية والتقنية

1 / 5

إلى حد بعيد لدرجة لم يعد بالإِمكان أنْ تتيح حيّزًا لغير ذوي المعرفة الرصينة من الإِضرار بها سواء أكان ذلك من دور النشر أم الافراد الذين يلجون ساحتها دون امتلاك أدواتها المتممة لنجاحها. وأخيرًا فإن هذه الطبعة التي أصدرتها دار عالم الكتب العامرة تتدارك ما قد يكون في الطبعة الأولى من هنات غير مقصودة ولهذا فإنني أتقدم بالشكر الوافر لصاحبها الصديق نزيه بعلبكي لإخراج هذه الطبعة لهذا الكتاب النفيس، جزاه الله خيرًا عن العلم والمشتغلين به. بغداد ١٩/ ٩/ ١٩٩٥ الدكتور كاظم بحر المرجان كلية التربية/ جامعة بغداد

1 / 6

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُقَدّمَة من الأمور الداعية للتفاؤل في الحقبة الراهنة من تطورنا أن يعطي فريق من الدارسين انتباههم لتراث أمتنا اللغوي فيقوموا بنشره وتحقيقه. ذلك أن حجم التيار الفكري وإيجابيته وتنوعه يوضح مدى رقي أية أمة لأن النشاط الثقافي معيار صادق لنهج تقدم الأمم. لكن دواعي الوفاء لمفكري الأمة الأسلاف توجب على من يتصدر لمهام التحقيق أن يولي تراثهم حقه من العناية والجهد؛ إذ إنَّ العبث بالتراث أو التسرع في إخراجه بلا ترو وتؤدة أشد وبالًا من بقائه دفين خزائن المخطوطات. بهذا الإِدراك توجهت لتحقيق كتاب التكملة لأبي علي الفارسي بعد أن هداني أستاذي الفاضل الدكتور حسين نصار إلى القيمة اللغوية الفريدة لهذا الكتاب. وكان الكتاب كما قدر الأستاذ الكريم مخزونًا ضخمًا من القواعد الأصول للغتنا السمحاء، وهو أيضًا كتاب في الصرف، وكتب الصرف حقها من اهتمام المحققين ضئيل، يضاف إلى ذلك أن صعوبة هذا الكتاب ووعورة مداخله ثم تعدد نسخه وتناثرها في مكتبات العالم أمور حالت بين الكتاب ومحاولة تحقيقه. لكني رأيت أن حظوة إخراجه علميًا تفوق كل عقبات تعوقها، ولهذا بذلت ما وسعني الجهد وتحملت الكثير من متاعب السفر ومشاقه لأجمع نسخه، ثم تفرغت للعمل المتواصل فيه زمنًا طويلًا، وأقرُّ أن

1 / 7

كل ما عملته من أجل الكتاب لن يرقى إلى مبلغ منزلته، ولذا فإني آمل بعودة متأنية إلى الكتاب، غير أني ازعم أيضًا أن الكتاب غدا نصًا موثقًا لكل ذي رغبة وموهبة أن قراءة أو إفادة بأية صورة. وقامت محاولتي في الكتاب على قسمين: الأول دراسته، والثاني تحقيقه. وجزأت القسم الأول إلى تمهيد وفصلين، عرّفْتُ باقتضاب في التمهيد بالمصنف إذ أشرت إلى حياته وأساتذته وتلامذته وآثاره، وذكرت عددًا غير قليل من مراجع ترجمته. وعقدت الفصل الأول لدراسة الكتاب وقسمته إلى أربعة أقسام، بحثت في الأول منها سبب التأليف، وقمت بمحاولة لتحديد تاريخه. وفي الثاني تعرضت لمصادر التكملة، وفي الثالث عرضت موضوعات الكتاب وأبوابه، وفي الرابع ذكرت كتب الشروح وشروح الشواهد ومؤلفيها. وخصصت الفصل الثاني لمنهج الكتاب، وقسمت هذا الفصل إلى أربعة أقسام أيضًا تحدثت في القسم الأول عن طريقة عرض المادة، وفي الثاني عن القياس وما يرتبط به من موضوعات مثل التعليل، والاحتجاج، والأصول والفروع، والتخريج والتأويل. وتحدثت في الثالث عن السماع ويدخل فيه موضوع الاستشهاد وأشرت إلى مصادره في الاستشهاد وهي القرآن وقراءاته، والشعر، والأمثال والأقوال، وذكرت موقفه من الاستشهاد بالحديث النبوي. وفي القسم الرابع من هذا الفصل تكلمت عن موقفه من المدارس النحوية المختلفة وشيوخها، وأنهيته بالكلام عن شخصية أبي علي اللغوية في الكتاب. وعملت خاتمة للدراسة تحدثت فيها عن أثر الكتاب فيما بعده من المصنفات وركزت على تتبع هذا الأثر في بعض مصنفات ابن جني، وفي المخصص، والأمالي الشجرية.

1 / 8

أما القسم الثاني من الدراسة، فخصصته للكتاب محققًا وقدمت له مع وصف للنسخ، وذكرت منهج التحقيق الذي بينت فيه الأسس والقواعد التي ألزمت نفسي بها، ثم عملت فهرسًا مقارنًا لأبواب الموضوعات في النسخ المختلفة. وأود أن أوضح أني لم أبخل بشيء من أجل أن أوفي عملي حقه، وإنْ بدا فيه ما يوجب الاعتذار عنه، فما لي إلا التذرع بأمرين: باكورة التجربة، والصعوبة في متابعة أفكار هذا العالم الفذ، وكلاهما واقع لا قبل لي بتجاوزه، وقد يفهم عذري ويغتفر لي من عانى التحقيق ومشاكله فهو يقدر المنهج الذي ألزمت نفسي به وحاولت السير بما يمليه. وأوكد أني وطدت النفس بالصبر على المشقة طويلًا، وأخلصت النية وبذلت ما وسع الجهد، ولولا رعاية تفوق المعتاد اولانيها أستاذي الكريم، وعناء منه وحدب يجاوزان ما كنت آمل، لما قدر لي أن أصل إلى ما وصلت إليه في هذا الموضوع، وتحدوني الموضوعية التي أخذتها عنه فيما أخذت من أمور عدة أن أقرر أن ما يلاحظ في عملي من هفوات تتركز في المواطن التي بعدت فيها عن توجيهاته السديدة لظروف شتى، جزاه الله عني وعن طلبة علمه أفضل الجزاء، والله الموفق. القاهرة ١٩٧٢ كاظم بحر المرجان

1 / 9