بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المتقدس بكماله عن مشابهة المخلوقات، المتنزه بعلوه عن مشاركة الممكنات، القادر على إيجاد الموجودات، العالم بكل المعلومات، المتفرد بوجوب الوجود في ذاته، المتوحد بالاستغناء عن غيره في ماهيته وصفاته، المنعم على عباده بإرسال الأنبياء لتعليم الشرائع والأديان، المكمل إنعامه بالتكليف الباقي ببقاء نوع الإنسان، ليرتقي بطاعته إلى أعلى الدرجات، ولينال بامتثال أوامره ما أعد له من الحسنات.

وصلى الله على أشرف البشر محمد المشفع في يوم المحشر (1)، وعلى آله الأبرار، صلاة تتعاقب عليهم تعاقب الأعصار.

أما بعد: فإن هذا الكتاب الموسوم ب " تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية "، قد جمعنا فيه معظم المسائل الفقهية، وأوردنا فيه أكثر المطالب

Page 29

التكليفية الشرعية الفرعية، من غير تطويل بذكر حجة ودليل، إذ جعلنا ذلك موكولا إلى كتابنا الموسوم ب‍ " منتهى المطلب في تحقيق المذهب " فإنه قد شمل المسائل أصولها وفروعها، وذكر الخلاف الواقع بين المسلمين - إلا ما شذ - واستدلال كل فريق على مذهبه مع تصحيح الحق وإبطال الباطل.

وإنما اقتصرنا في هذا الكتاب على مجرد الفتاوى لا غير، مستعينين بالله تعالى فإنه الموفق لكل خير، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ورتبناه على مقدمة وقواعد.

Page 30

أما المقدمة ففيها مباحث: (1) 1. الأول: الفقه لغة الفهم. واصطلاحا العلم بالأحكام الشرعية الفرعية، المستدل على أعيانها، بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة، فخرج العلم بالذوات والأحكام العقلية (والنقلية) (2) والتقليدية وعلم واجب الوجود والملائكة وأصول الشريعة.

ولا يرد إطلاق الفقيه على العالم بالبعض، وكون الفقه مظنونا، لأن المراد بالعلم الاستعداد التام المستند إلى أصول معلومة، وظنية الطريق لا تنافي علمية الحكم.

2. الثاني: ثبت في علم الكلام وجوب التكليف، ولا يتم الامتثال إلا بمعرفة الأحكام الشرعية الحاصلة بالفقه، فيجب العلم به، والسمع (3).

ووجوبه على الكفاية، عملا بالآية (4).

Page 31

ومرتبته بعد علم الكلام واللغة والنحو والتصريف والأصول.

وفائدته نيل السعادة الأخروية، وتعليم العامة نظام المعاش (1) في المنافع الدنيوية.

وموضوعه أفعال المكلفين من حيث الاقتضاء أو التخيير.

ومبادئه من الكلام والأصول واللغة والنحو والقرآن والسنة.

ومسائله المطالب المستدل عليها فيه.

3. الثالث: في فضيلته وهو معلوم بالضرورة، قال تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) (2) وقال تعالى: (انما يخشى الله من عباده العلماء) (3).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا علي نوم العالم أفضل من عبادة العابد، يا علي ركعتين يصليهما العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد» (4).

«يا علي لا فقر أشد من الجهل، ولا عبادة مثل التفكر» (5).

وعن الصادق (عليه السلام) انه قال: «إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد، ووضعت الموازين، فيوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء» (6).

Page 32

وقال (عليه السلام): «العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، لا يزيده سرعة السير من الطريق إلا بعدا» (1).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الأنبياء قادة، والعلماء سادة، ومجالستهم عبادة» (2).

وقال: «النظر إلى وجه العالم عبادة» (3).

وقال: «اللهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول الله! ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي (4)، ومن أكرم فقيها مسلما لقي الله يوم القيامة وهو عنه راض» (5).

الفصل الأول (6) ويحرم كتمان العلم والفقه، قال تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) (7).

وقال: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا

Page 33