بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله حمدا موافيا لنعمه مكافئا لمزيده وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة مخلص فِي توحيده وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا ﷺ عَبده وَرَسُوله خَاتم أنبيائه وَخير عباده ﷺ وعَلى آله وصحابته وَسَائِر المتمسكين بسنته المحتذين لطريقه أما بعد فإنني وقفت على فضيحة ابْن عقيل الَّتِي سَمَّاهَا نصيحة

1 / 29

وتأملت مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من الْبدع القبيحة والشناعة على سالكي الطَّرِيق الْوَاضِحَة الصَّحِيحَة فَوَجَدتهَا فضيحة لقائلها قد هتك الله تَعَالَى بهَا ستره وَأبْدى بهَا عَوْرَته وَلَوْلَا أَنه قد تَابَ إِلَى الله ﷿ مِنْهَا وتنصل وَرجع عَنْهَا واستغفر الله تَعَالَى من جَمِيع مَا تكلم بِهِ من الْبدع أَو كتبه بِخَطِّهِ أَو صنفه أَو نسب إِلَيْهِ لعددناه فِي جملَة الزَّنَادِقَة وألحقناه بالمبتدعة المارقة وَلكنه لما تَابَ وأناب وَجب أَن تحمل مِنْهُ هَذِه الْبِدْعَة والضلالة على أَنَّهَا

1 / 31

كَانَت قبل تَوْبَته فِي حَال بدعته وزندقته ثمَّ قد عَاد بعد تَوْبَته إِلَى نَص السّنة وَالرَّدّ على من قَالَ بمقالته الأولى بِأَحْسَن كَلَام وأبلغ نظام وَأجَاب على الشّبَه الَّتِي ذكرت بِأَحْسَن جَوَاب وَكَلَامه فِي ذَلِك كثير فِي كتب كبار وصغار وأجزاء مُفْردَة وَعِنْدنَا من ذَلِك كثير فَلَعَلَّ إحسانه يمحو إساءته وتوبته تمحو بدعته فَإِن الله تَعَالَى يقبل التَّوْبَة عَن عبَادَة وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات وَلَقَد كنت أعجب من الْأَئِمَّة من أَصْحَابنَا الَّذين كفروه وأهدروا دَمه وأفتوا بِإِبَاحَة قَتله وحكموا بزندقته قبل تَوْبَته وَلم أدر أَي شَيْء أوجب هَذَا فِي حَقه وَمَا الَّذِي اقْتضى أَن يبالغوا فِيهِ هَذِه الْمُبَالغَة حَتَّى وقفت على هَذِه الفضيحة فَعلمت أَن بهَا وبأمثالها استباحوا دَمه وَقد عثرت لَهُ على زلات قبيحة وَلَكِن لم أجد عَنهُ مثل هَذِه الَّتِي بَالغ فِيهَا فِي تهجين السّنة مُبَالغَة لم يبالغها معتزلي وَلَا غَيره وَكَانَ أَصْحَابنَا يُعَيِّرُونَهُ بالزندقة فَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْخطاب مَحْفُوظ بن أَحْمد الكلواذاني رَحمَه الله تَعَالَى فِي قصيدته يَقُول فِيهَا (ومذ كنت من أَصْحَاب أَحْمد لم أزل ... أُنَاضِل عَن أعراضهم وأحامي) (وَمَا صدني عَن نصْرَة الْحق مطمع ... وَلَا كنت زنديقا حَلِيف خصام) يعرض بِابْن عقيل حَيْثُ نسب إِلَى ذَلِك

1 / 32

وَبَلغنِي أَن سَبَب تَوْبَته أَنه لما ظَهرت مِنْهُ هَذِه الفضيحة أهْدر الشريف أَبُو جَعْفَر رَحمَه الله تَعَالَى دَمه وَأفْتى هُوَ وَأَصْحَابه بِإِبَاحَة قَتله وَكَانَ ابْن عقيل يخفى مَخَافَة الْقَتْل فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا رَاكب فِي سفينة فَإِذا فِي السَّفِينَة شَاب يَقُول تمنيت لَو لقِيت هَذَا الزنديق ابْن عقيل حَتَّى أَتَقَرَّب إِلَى الله تَعَالَى بقتْله وإراقة دَمه فَفَزعَ وَخرج من السَّفِينَة وَجَاء إِلَى الشريف أبي جَعْفَر فَتَابَ واستغفر وَهَا أَنا أذكر تَوْبَته وصفتها بِالْإِسْنَادِ ليعلم أَن مَا وجد من تصانيفه مُخَالفا للسّنة فَهُوَ مِمَّا تَابَ مِنْهُ فَلَا يغتر بِهِ مغتر وَلَا يَأْخُذ بِهِ أحد فيضل وَيكون الْآخِذ بِهِ كحاله قبل تَوْبَته فِي زندقته وَحل دَمه أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام الثِّقَة الْمسند أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن طبرزد الْبَغْدَادِيّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وسِتمِائَة بمسجدنا المحروس بِظَاهِر دمشق حرسها الله تَعَالَى قلت لَهُ أخْبركُم القَاضِي الْأَجَل الْعَالم أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن مُحَمَّد الْبَزَّار إجَازَة إِن لم يكن سَمَاعا قَالَ حضرت يَوْم الِاثْنَيْنِ الثَّامِن من الْمحرم سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة تَوْبَة الشَّيْخ الإِمَام أبي الْوَفَاء بن عقيل فِي مَسْجِد الشريف أبي جَعْفَر رَحمَه الله تَعَالَى فِي نهر مُعلى وَحضر فِي ذَلِك الْيَوْم خلق كثير قَالَ يَقُول عَليّ بن عقيل إِنَّنِي أَبْرَأ إِلَى الله تَعَالَى من مَذَاهِب المبتدعة الاعتزال وَغَيره وَمن صُحْبَة أربابه وتعظيم أَصْحَابه والترحم على أسلافهم والتكثر بأخلاقهم وَمَا كنت علقته وَوجد بخطي من مذاهبهم وضلالاتهم فَأَنا تائب إِلَى الله سُبْحَانَهُ تَعَالَى من كِتَابَته وقراءته وَإنَّهُ لَا يحل لي كِتَابَته وَلَا قِرَاءَته وَلَا اعْتِقَاده وَذكر شَيْئا آخر ثمَّ قَالَ فَإِنِّي أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ من مُخَالطَة المبتدعة الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم ومكاثرتهم والترحم عَلَيْهِم والتعظيم لَهُم فَإِن

1 / 33

ذَلِك كُله حرَام لَا يحل لمُسلم فعله لقَوْل النَّبِي ﷺ من عظم صَاحب بِدعَة فقد أعَان على هدم الْإِسْلَام وَقد كَانَ سيدنَا الشريف أَبُو جَعْفَر أدام الله علوه وحرس على كافتنا ظله وَمن مَعَه من الشُّيُوخ والأتباع سادتي وإخواني أحسن الله عَن الدّين والمروة جزاءهم مصيبين فِي الْإِنْكَار عَليّ لما شاهدوه بخطي فِي الْكتب الَّتِي أَبْرَأ إِلَى الله تَعَالَى مِنْهَا واتحقق أنني كنت مخطئا غير مُصِيب وَمَتى حفظ عَليّ مَا يُنَافِي هَذَا الْخط وَهَذَا الْإِقْرَار فلإمام الْمُسلمين أعز الله سُلْطَانه مكافاتي على ذَلِك بِمَا يُوجِبهُ الشَّرْع من ردع ونكال وإبعاد وَغير ذَلِك وأشهدت الله تَعَالَى وَمَلَائِكَته وأولي الْعلم على جَمِيع ذَلِك غير مجبر وَلَا مكره وباطني وظاهري فِي ذَلِك سَوَاء قَالَ الله تَعَالَى ﴿وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ وَالله عَزِيز ذُو انتقام﴾ ثمَّ كتب الشُّهُود خطوطهم وَهَذِه نسختها أشهدني الْمقر على إِقْرَاره بِجَمِيعِ مَا تضمنه هَذَا الْكتاب وَكتب عبد الله بن رضوَان فِي الْمحرم سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة بِمثل ذَلِك أشهدني وَكتب مُحَمَّد بن عبد الرَّزَّاق بن أَحْمد بن السّني فِي التَّارِيخ أشهدني الْمقر على إِقْرَاره بِجَمِيعِ مَا تضمنه هَذَا الْكتاب وَكتب الْحسن بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن يُوسُف بِخَطِّهِ سَمِعت إِقْرَار الْمقر بذلك وَكتب مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن أشهدني الْمقر على نَفسه بذلك وَكتب عَليّ بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن يُوسُف آخرهَا وَكتب مُحَمَّد بن عبد الْبَاقِي بن مُحَمَّد بن عبد الله وَحضر فِي هَذَا الْيَوْم فِي مَسْجِد الشريف خلق كثير

1 / 34