بسم الله الرحمن الرحيم (1) بيان أقوال الشيعة في المسألة قال الشيخ المفيد رضي الله عنه: اختلفت الشيعة في هذه المسألة:

فقالت الجارودية (2): إنه كان عليه السلام أفضل من كافة الصحابة.

فأما غيرهم فلا يقطع على فضله على كافتهم (3)، وبدعوا من سوى (4) بينه

Page 18

وبين من سلف، أو فضله (5)، أو شك في ذلك، وقطعوا على فضل الأنبياء عليهم السلام كلهم عليه.

واختلف (6) أهل الإمامة في هذا الباب:

فقال كثير من متكلميهم (7): إن الأنبياء عليهم السلام أفضل منه على القطع والثبات.

وقال جمهور (8) أهل الآثار منهم (9) والنقل والفقه بالروايات، وطبقة من المتكلمين منهم (10) وأصحاب الحجاج: إنه عليه السلام أفضل من كافة البشر سوى رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله فإنه أفضل منه.

ووقف منهم نفر (11) قليل في هذا الباب فقالوا: لسنا نعلم أكان أفضل ممن (12) سلف من الأنبياء، أو (13) كان مساويا لهم، أو دونهم فيما يستحق به الثواب. فأما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن عبد الله فكان أفضل منه على (14) غير ارتياب.

وقال فريق آخر منهم (1): إن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أفضل البشر سوى أولي العزم من الرسل فإنهم أفضل منه عند الله (16).

Page 19

فصل الاستدلال بآية المباهلة على تفضيل الإمام علي عليه السلام على من سوى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فاستدل من حكم لأمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بأنه أفضل من سالف (17) الأنبياء عليهم السلام وكافة (18) الناس سوى نبي الهدى محمد عليه وآله السلام بأن قال: قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من كافة البشر بدلائل يسلمها كل الخصوم (19)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أنا سيد البشر (20) " وقوله: " أنا (21) سيد ولد آدم ولا فخر (22) ".

Page 20

وإذا ثبت أنه عليه وآله السلام أفضل البشر وجب أن يليه أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الفضل (23) بدلالته على ذلك، وما أقامه عليه من البرهان (24).

فمن ذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم (2) لما دعا نصارى نجران إلى المباهلة ، ليوضح عن حقه، ويبرهن عن ثبوت نبوته، ويدل على عنادهم في مخالفتهم له (26) بعد الذي أقامه من الحجة عليهم، جعل عليا عليه السلام في مرتبته، وحكم (27) بأنه عدله، وقضى له بأنه نفسه، ولم يحططه عن مرتبته في الفضل، وساوى بينه وبينه، فقال مخبرا عن ربه عز وجل بما حكم به من (28) ذلك وشهد وقضى ووكد: * (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساء كم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) * " (29).

فدعا الحسن والحسين عليهما السلام للمباهلة فكانا ابنيه في (30) ظاهر اللفظ، ودعا فاطمة سلام الله عليها وكانت المعبر عنها بنسائه، ودعا أمير المؤمنين عليه السلام فكان المحكوم له بأنه نفسه (31).

Page 21

وقد علمنا أنه لم يرد بالنفس ما به قوام الجسد من الدم السائل والهواء ونحوه، ولم يرد نفس ذاته، إذ (32) كان لا يصح دعاء الانسان (33) نفسه إلى نفسه ولا إلى غيره، فلم يبق إلا أنه أراد عليه وآله السلام بالعبارة عن النفس إفادة العدل والمثل والنظير، ومن يحل منه في العز والاكرام والمودة والصيانة والإيثار والاعظام والاجلال محل ذاته عند الله سبحانه (34)، فيما فرض عليه من الاعتقاد بها وألزمه العباد (3).

ولو لم يدل من خارج - دليل (36) على أن النبي صلى الله عليه وآله

Page 22