التعليقة على كتاب سيبويه تأليف أبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي المتوفى سنة ٣٧٧هـ تحقيق وتعليق الدكتور عوض بن حمد القوزي الأستاذ المشارك بكلية الآداب جامعة الملك سعود الطبعة الأولى ١٤١٠هـ ١٩٩٠

1 / 1

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرا هذا بابُ عِلْمٍ ما الكَلِمُ قال أبو علي ﵀: قلتُ: قالوا: الذي عليه وُضِعَ الكتابُ التنوينُ في علمٍ، وأن (ما) استفهامية، والكَلِمُ مبتدأ وخبره (ما) والجملة في موضع نصب على تقدير هذا باب أنْ تعلمَ ما الكَلِمُ، ففاعلُ علمٍ المخاطَبُ. والعلم في باب التَّعدّي على ضَرْبَيْن: ضرب يتعدّى إلى مفعولين يكون المفعول الأول فيه هو الثاني في المعنى أو يكون له فيه ذِكْرٌ كشرط خبر المبتدأ. وضَرْبٌ آخر يكون بمعنى العِرْفان، فلا يجاوز مفعولا، كما لا يجاوز عَرَفْتُ مفعولًا، فإذا قدّر (ما) استفهامًا كان قوله (عِلْم) هو الذي يتعدى إلى مفعولين، ولا يجوز أن يكون الّذي بمعنى عَرَفْتُ، لأن

1 / 3

الاستفهام إنما يقع في موضع مفعول الفعل الذي يجوز أن يلغَى نحو: ظَنَنْتُ، وعلمْتُ، وبابُه، لأن الإلغاء فيه أعظم من وقوع الاستفهام في موضع مفعوله، لأنها إذا أُلغيت لم تعمل في لفظٍ ولا موضع، وإذا وَقَعَ الاستفهام في موضع مفعوله عَمِلَ في موضع الجملة بأَسْرِها، فَعِلْمُ في موضع (أنْ تعلمَ) و(ما الكَلِمُ) التي هي جملة استفهام في موضع المفعول الأول، وقد سَدَّ مَسَدَّ المفعول الثاني كما سَدَّ خبرُ (أنّ) في قولك: عَلِمْتُ أنّ زيدًا منطلقٌ، وأما تقديرُك قوله (عِلْم) في معنى (أنْ تعلمَ) وإن لم يُضَفْ إلى ضمير المخاطب، فجائز أن تقدره فعلا للمُخاطَب والغائب إن لم تُضِفْهُ إلى ضمير واحد منهما كقوله ﷿ (أوْ إطْعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ يتيمًا ذا مقربةٍ)، وكقوله تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا)، والتقدير لو أن لهم شيئا، وأن يرزق شيئا فهذان عَمِلا في مفعوليهما وإن لم يُضافا إلى ضمير فاعليهما في اللفظ، ومثل ذلك ما أنشد سيبويه:

1 / 4

فَلَوْلا رجاءُ النَّصْر منك ورهبةٌ ... عِتابَك قد صاروا لنا كالمواردِ ومثله: فلم أنْكلْ عن الضّرْبِ مِسْمَعا

1 / 5

تقديره: أن رهبتُ عقابَك، وعن أن ضَرَبْتُ مِسْمَعًا. فنُصِب بهما مفعولاهما، وإن لم يُضافا إلى ضمير مَن هما له، فكذلك (عِلْم) مقدّر بـ (أنْ تعلمَ)، وإن لم يضف إلى ضمير المخاطب كهذه الأشياء التي ذكرناها، وهو الذي عليه المعنى، كأنّه جواب سائلٍ سأل: ما الكَلِمُ؟ فقال: هذا بابُ أنْ تعلمَ ما الكَلِمُ، وهو على هذا قوله في سائر الكتاب، اعْلَمْ أن كذا وكذا، فإن قلت: فهل يجوز أن يذهبَ بالمصدر الذي هو (عِلْمٌ) مذهب ما لم يُسَمَّ فاعله؟ فالجواب: أنك إن جعلت (ما) استفهامًا لم يَجُزْ أن تذهب به هذا المذهب، لأنّك إن قَدَّرْتَهُ بالفعل كان هذا باب أن يُعْلَمَ ما الكَلِمُ فتقوم الجملة مقام اسم الفاعل المبني للمفعول، والجُمَل لا تقوم مقامه، كما لا تقوم مقام الفاعلين لأن الفاعل يُكْنَى عنه، ويثنَّى ويجمع، ويُضمر في الفعل، فيُذكر إعراب الفعل بعده، وكل هذا مُمتنِع في الجملة، غير جائز فيها وأيضًا فإن الجُمل أحاديث، وإنما يقام مقام الفاعلين، مُحَدِّث عنهم لا أحاديث، فكما لا يجوز (عُلِمَ ضَرَبَ زيدٌ) ولا (عُلم أين زيدٌ) ولا (ظُنَّ كيف زيدٌ) على أن تقيم الجملة مقام اسم الفاعل كذلك لا يجوز

1 / 6