الحمد لله حق حمده ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلي آله وصحبه ، وبعد فإن الله - جل وعلا - أخبر بحفظ هذا الدين قال تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } (1)

(سورة الحجر / 9 . )

.

قال ابن حزم - رحمه الله : - " فأخبر تعالى كما قدمنا أن كلام نبيه - صلى الله عليه وسلم - كله وحي ، والوحي بلا خلاف ذكره ، والذكر محفوظ بنص القرآن ، فصح بذلك أن كلامه - صلى الله عليه وسلم - محفوظ بحفظ الله - عز وجل - مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء " (2)

(" الإحكام " لابن حزم ( 1/ 88/ 89 ) ، ( ص 109 ) . )

.

وإن من حفظ الله وعنايته أن هيأ العلماء المخلصين لهذا الدين ، بذلوا الغالي والنفيس ، رحلوا في شرق الأرض وغربها بما لم يسبقهم سابق . فالحمد لله على نعمه ، وأسأل الله أن يرحم علماء المسلمين أجمعين ، وأن يرفع درجتهم في عليين .

وفكرة هذا المشروع : التنقيب عن المفقود من كتب التراث ومنها كتب العقيدة - التي هي التخصص الدقيق - هي أحد المناهج والطرق التي يسلكها علماء الأمة في حفظ التراث من الضياع ، ولهم في ذلك عدة قواعد ومناهج (3)

(كتب الأخ الفاضل حكمت بشير ياسين كتابا سماه " القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الكتب التراثية " ذكر فيه جملة كبيرة من القواعد والطرائق التي يسلكها الباحث لجمع النصوص والكتب المفقودة ، وهو كتاب فريد في بابه ، واستفدت كثيرا من طريقته ومنهجه- جزاه الله خيرا - . )

أشير إلى ما له صلة بموضوع البحث :

1 - القاعدة الأولى : البحث في كتب الإجازات والمسموعات ، وفائدة هذه القاعدة الكشف عن اسم الكتاب المفقود وصحة نسبته لمؤلفه ، وذكر السند إليه ، ومعرفة من سمع الكتاب ، وتراجم إسناده ، ومن قرأه وسمعه وعدد أجزائه ، وسترى

(1)سورة الحجر /9 .

(2)" الإحكام " لابن حزم ( 1/88/89 ) ، ( ص 109 ) .

(3)كتب الأخ الفاضل حكمت بشير ياسين كتابا سماه " القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الكتب التراثية " ذكر فيه جملة كبيرة من القواعد والطرائق التي يسلكها الباحث لجمع النصوص والكتب المفقودة ، وهو كتاب فريد في بابه ، واستفدت كثيرا من طريقته ومنهجه - جزاه الله خيرا - .

Page 15

- 15 - أيضا أن تحديد السند إلى المؤلف المفقود يفيد الباحث بعدم إدخال كتب المؤلف بعضها مع بعض .

2 - القاعدة الثانية : البحث في الكتب التي صنفت في موضوع الكتاب المفقود ، المتأخرة عنه (1)

(كتاب حكمت بشير ( ص143 ، 113 ) . )

.

وقد غلبت عندي هذه القاعدة فيما نحن بصدده - كتاب السنة - ونتائج هذه الطريقة ظاهرة ، فالمؤلف اللاحق استفاد ممن سبقه ، فينقل منه نصا أو نصوصا ، وحينما تجمع هذه النصوص تكون لنا غالبا صورة واضحة للكتاب من جهة موضوعه وما تناوله من مسائل ...

ويكون البحث أيضا باستقراء الكتب الموسوعة التي رجع غالب مؤلفيها إلى مئات الكتب والأجزاء عند التأليف أو الشرح .

3 - القاعدة الثالثة : البحث في كتب تلاميذ المؤلف ، وتلاميذ تلاميذه ، ومن جاء بعدهم مثل مصنفات الخطيب البغدادي ، وابن الجوزي ، وابن تيمية ، وابن القيم ، وابن حجر ، والسيوطي ، وغيرهم من أهل العلم .

هذه تقريبا بعض القواعد التي سرت عليها في جمعي للكتاب وهذا الكتاب : السنة للإمام الطبراني هو الأول في هذا المشروع : ( التنقيب عن كتب العقيدة ) ، ويليه إن شاء الله جملة من المصنفات التي تجمع لدي منها نصوص مباركة تستحق أن تكون سلسلة نافعة (2)

(مثل : " الإيمان " لعبد الرحمن رسته ، و" القدر " للإمام أبي داود السجستاني ، و" الرد على الجهمية " للإمام ابن أبي حاتم ، الاثنان الأخيران سيكونان بحجم مجلد كامل - يسر الله إتمامها - . )

.

وبعد هذه المقدمة أنتقل إلى موضوع الكتاب وقد قسمته إلى فصلين وخاتمة .

الفصل الأول : الدراسة ، وفيها مبحثان :

المبحث الأول : التعريف بالمؤلف - باختصار - وفيه :

(1)كتاب حكمت بشير ( ص143 ، 113 ) .

(2)مثل : " الإيمان " لعبد الرحمن رسته ، و" القدر " للإمام أبي داود السجستاني ، و" الرد على الجهمية " للإمام ابن أبي حاتم ، الاثنان الأخيران سيكونان بحجم مجلد كامل - يسر الله إتمامها - .

Page 16

- 16 - - اسمه ونسبه ، ومولده ونشأته وشيوخه .

- علمه ، وثناء العلماء ، مؤلفاته ، عقيدته ، وفاته .

المبحث الثاني : التعريف بكتاب السنة للطبراني :

ويشتمل على الآتي :

1 - اسم الكتاب ، وموضوعه .

2 - تراجم إسناده .

3 - عدد أجزاءه .

4 - استفادة العلماء منه .

5 - ترتيب الكتاب .

6 - تاريخ فقد الكتاب .

الفصل الأول الدراسة

المبحث الأول : التعريف بالمؤلف - باختصار - :

وفيه :

1 - اسمه ونسبه ، ومولده ونشأته :

هو الإمام ، الحافظ ، المعمر ، أبو القاسم ، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي ، الشامي ، الطبراني ، نسبة إلى طبرية الشام ، وهي مدينة تقع على بحيرة طبريا من جهة فلسطين .

مولده بمدينة عكا في شهر صفر سنة ستين ومئتين ، وكانت أمة عكاوية وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين ، وارتحل به أبوه ، وحرص عليه ، فإنه كان صاحب حديث ، من أصحاب دحيم ، فأول ارتحاله كان في سنة خمس وسبعين ، فبقي في الارتحال ، ولقي الرجال ستة عشر عاما ، قال أبو نعيم : " قدم أصبهان سنة تسعين ومئتين . .. " (1)

(" السير " ( 16/ 119 ) ، " ذكر أخبار أصبهان " ( 1/ 335 ) . )

.

(1)" السير " ( 16/119 ) ، " ذكر أخبار أصبهان " ( 1/335 ) .

Page 17

- 17 - 2 - شيوخه :

الحافظ الطبراني شيخ رحال ، جوال كما قال الأئمة ، وكتب كما يقول الذهبي : عمن أقبل وأدبر (1)

(" السير " ( 16/ 119 ) . )

.

وقال أيضا : " وحدث عن ألف شيخ أو يزيدون " (2)

(" التذكرة " ( 3/ 912 ) . )

.

وقد ألف شيخنا حماد بن محمد الأنصاري - رحمه الله - مؤلفا في شيوخ الطبراني ، سماه : " بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني : وبلغ شيوخه ( 704 ) شيوخ - ومنه استفدت فيما كتبت .

وأنا ذاكر بعض شيوخه الذين ورد ذكرهم في هذا البحث على وجه الاختصار .

- إبراهيم بن عبد الله بن مسلم ، أبو مسلم الكجي ، قال الخطيب : وكان من أهل الفضل والعلم والأمانة ، وقال الذهبي : الشيخ الإمام الحافظ ، مات سنة 292ه ، انظر : " السير " ( 6/120 ) .

- الحسين بن إسحاق التستري ، قال الخلال : شيخ جليل ... وكان رجلا مقدما مات سنة 289 ه . انظر : " طبقات الحنابلة " ( 1/142 ) ، " تاريخ الإسلام " ( ص 157 ) ، " وفيات " ( 281 - 290 ه ) .

- زكريا بن يحيى الساجي ، قال الذهبي : الإمام الثبت الحافظ ، محدث البصرة وشيخها ، ومفتيها ، مات سنة 703 ه . انظر : " السير " ( 14/197 ) ، " طبقات الشافعية " ( 3/299 ) .

- علي بن سعيد الرازي ، وقال ابن يونس : كان يفهم ويحفظ ، وقال الذهبي : حافظ رحال جوال ، مات سنة 299ه انظر : " الميزان " ( 3/131 ) ، " اللسان " ( 4/231 ) .

- علي بن عبد العزيز أبو الحسن البغوي ، قال الدارقطني : ثقة مأمون ، وقال الذهبي ، الإمام الحافظ ، مات سنة 286ه . انظر : " السير " ( 13/348 ) ، " تذكرة الحافظ " ( 2/622 ) .

(1)" السير " ( 16/119 ) .

(2)" التذكرة " ( 3/912 ) .

Page 18

- 18 - - الفضل بن الحباب الجمحي البصري ، قال الذهبي : الإمام العلامة ، المحدث الأديب الأخباري ، وقال : وكان ثقة صادقا ، مأمونا مات سنة 305 ه . انظر : " السير " ( 14/7 - 11 ) ، " تذكرة الحفاظ " ( 2/607 ) .

- محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، الملقب بمطين ، سئل عنه الدراقطني : فقال ثقة جبل ، وقال الذهبي : الشيخ الحافظ ، الصادق ، مات سنة 792ه . انظر : " السير " ( 14/41 ) ، " طبقات علماء الحديث " ( 2/373 ) .

3 - علمه وثناء العلماء عليه :

- قال يحيى بن منده : " ومن خصائصه وفضائله - رحمه الله - ترك التكبر في طلب العلم مع جلال قدره ، ووفور علمه ، وتوقير مشايخه له وبتبجيله إياه احترامهم له في كل المحافل والمجالس (1)

(جزء فيه ذكر أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني -رحمه الله - وبعض مناقبه ومولده ووفاته وعدد تصانيفه ، تأليف يحيى بن منده ، طبع من الجزء الخامس والعشرين من المعجم الكبير ( ص 329 ) . )

- وقال ابن أبي يعلى : " وكان أحد الأئمة والحفاظ في علم الحديث " (2)

(" طبقات الحنابلة " ( 3/ 49 ) . )

- وقال ابن عساكر : " وروى عنه النجوم والأكابر والأعلام ما لا يعد كثرة " (3)

(" تاريخ ابن عساكر " ( 22/ 163 ) ، " ذكر أخبار أصبهان " ( 1/ 335 ) . )

- وقال الذهبي : " الرحال والجوال ، محدث الإسلام ، علم المعمرين (4)

(" السير " ( 16/ 119 ) . )

.

4 - مؤلفاته :

الإمام الطبراني - رحمه الله - من الأئمة المكثرين من التأليف والتصنيف ذكر الحافظ يحيى بن منده ما وجد من تصانيفه (5)

(كتاب ابن منده في ترجمة الطبراني ( ص 359 ) . )

فبلغت ( 107 ) كتب وبعضها يبلغ مجلدات ، ومن أشهرها :

(1)جزء فيه ذكر أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني - رحمه الله - وبعض مناقبه ومولده ووفاته وعدد تصانيفه ، تأليف يحيى بن منده ، طبع من الجزء الخامس والعشرين من المعجم الكبير ( ص 329 ) .

(2)" طبقات الحنابلة " ( 3/49 ) .

(3)" تاريخ ابن عساكر " ( 22/163 ) ، " ذكر أخبار أصبهان " ( 1/335 ) .

(4)" السير " ( 16/119 ) .

(5)كتاب ابن منده في ترجمة الطبراني ( ص 359 ) .

Page 19