مقدمة ... شكر وتقدير الحمد لله فاطر القلوب على حب الخير وإقرار الجميل والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الداعي إلى مكافأة صانع الجميل وبعد، فقد منّ الله عليّ بالانتهاء من إعداد هذه الرسالة فأرى من الواجب عليّ أن أتقدم بخالص شكري وبالغ تقديري لفضيلة أستاذي الدكتور محمود أحمد ميرة المشرف على الرسالة، والذي لم يدّخر جهدًا في إبداء توجيهاته وملاحظاته السديدة، وتوفيره لي بعض المصادر ذات القيمة وقراءته لجزئيات الرسالة. كما أقدّم خالص شكري وامتناني لفضيلة الشيخ الدكتور محمّد أمين المصري ﵀ والذي كان له كل الفضل في إعدادي للخوض في هذا العلم في السَّنة التحضيرية، وتشجيعي لاختيار هذا الموضوع، سائلًا المولى أن يتغمّده بواسع رحمته. كما أقدّم شكري أيضًا لفضيلة الدكتور أكرم ضياء العمري وفضيلة الشيخ حماد الأنصاري لما بذلاه أيضًا من توجيهات قيّمة أيام الدراسة والتحضير. وفي الختام أقدّم شكري لكل من قدّم لي عونًا أيًّا كان من الأساتذة الكرام والأصدقاء والزملاء وأخصّ بالذكر الأخ الكريم مصطفى عبد لجليل أمين مكتبة الدراسات العليا وجزا الله الجميع كل خير.

1 / 6

تقديم: بقلم: الدكتور عبد الله بْن عبد الله الزائد نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وبعد... فهذا كتاب (سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في الجرح والتعديل) نقدمه لرواد علوم الحديث الشريف، وللباحثين المعتنين بالرجوع إلى المصادر الأولى في اقتباساتهم، والواردين الموارد الأصلية في استفاداتهم. والكتاب أحد تلك الركائز القديمة في علم الجرح والتعديل لإمامٍ من أئمته الأوائل، هو الإمام أبو داود سليمان بْن الأشعث السجستاني (٢٠٢- ٢٧٥) أحد خاصة الإمام يحيى بن معين (١٥٨- ٢٣٣) والإمام أحمد بن حنبل (١٦٤-٢٤١) إمامي علم الجرح والتعديل في عصرهما، وأبرز من ورث علمهم رحمهم الله تعالى جميعًا. وكثيرًا ما يتردد في ثنايا الكتب المطولة النقل عن أبي داود بواسطة تلميذه هذا: أبي عبيد مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ الآجري، أحد علماء القرن الرابع الهجري، فتتوق النفس إلى التعرّف على الآجري وكتابه الذي خزن في طواياه جانب النقد والجرح والتعديل عند الإمام أبي داود لأن هذا الإمام لم يشتهر إلاّ بكتابه (السنن) وهو كتاب ظاهره سرد المتون بأسانيدها دون أن تتجلى فيه شخصيته المتميّزة الناقدة. فإلى هؤلاء نقدم جزءًا من هذا الكنز الدفين: كتاب (سؤالات الآجري) وهو القسم الخاص برجال أهل الكوفة ورواتها، لنضع لبنة في زاوية من صرح

1 / 7

السؤالات، وبرهن في تحقيقه على قوة وجلد ونفاذ في حلّ مشكلاته، جزاه الله خيرًا، ووفقه لمتابعة إخراج بقية الموجود من أجزاء الكتاب، وإخراج غيره من أمهات كتب السنة. وإنا نتوجه إلى الله ﷿ بالحمد له والشكر على ما وفقنا إليه، ونسأله المزيد - ثم نتقدم بخالص الشكر إلى جلالة الملك خالد وسمو ولي عهده الأمير فهد، على رعايتهما هذه الجامعة الإسلامية، وتقديمهما يد العون لها، وعين الاهتمام بها، من حيث المادة والتطوير في مختلف مجالاتها النافعة للأمة الإسلامية. جزاهما الله كلّ خير. والله تعالى هو المسؤول أن يكلل أعمالنا بالتوفيق والفلاح، وييسرنا لخدمة دينه بإخلاص ودوام عمل، إنه أكرم مسؤول - وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

1 / 8

تمهيد: لا أظن أن الباحث الكريم بحاجة إلى التنويه بفائدة كتب الرجال على اختلاف أنواعها. فهذه الكتب تعتبر مصدرا رئيسيًا يمكن الاعتماد عليه للوصول إلى حقيقة حال من ترجم لهم فيها، إضافة إلى ما تنفرد به تلك الكتب من مواد علمية جديدة. وقد بدأ المسلمون بالتصنيف في كتب الرجال في وقت مبكر، وأفردوا لكل نمط معين من الناس كتبًا خاصة بهم، فنجد منها تلك التي اهتم مصنفوها بذكر رواة الحديث النبوي الشريف، ونجد أخرى اقتصرت على ذكر المفسرين، وتلك في البلغاء واللغويين، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل تعداه إلى التصنيف في البخلاء والمغنين وما إلى ذلك. والواقع أن البدء المبكر في هذا النمط من التصنيف ليدل على ما تمتع به المسلمون الأوائل من وعي ثقافي، ومستوى علمي رفيع، على أن المحدثين كانوا أول من طرق هذا الباب، فأخذوا بتقييد أسماء الصحابة والتابعين، وتبيين أحوالهم على اعتبار أنهم نقلة السنّة المطهرة، الأمر الذي دعا من جاء بعدهم ليحذو حذوهم، فوصفوا رواة الحديث من بعد، وهكذا. وقد اتبع المصنفون في تواليفهم أساليب متعددة، فمنهم من صنف كتابه

1 / 10

علم الجرح والتعديل، الذي ما يزال الباحثون فيه يجدون أنفسهم واجمين أمام ثغرات كثيرة فيه، وما تزال هذه الثغرات تستنهض همم الباحثين وأهل التخصص والمراس، لإخراج الكتب الأولية الأصلية، والدواوين الزاخرة، وتقديمها للباحثين، لإرواء غلتهم وسد حاجاتهم. وذلك أن علم الجرح والتعديل من أهم علوم الإسلام، وأهميته بأهمية تخليص المصدر الثاني للإسلام - وهو السنَّة - من كل شائبة ودخيل. وإن كتابنا هذا واحد من تلك الكتب الأصلية فيه - فهذه مزية أولى له. وثانية مزاياه: أنه جاء على طريقة السؤال والجواب، وهي طريقة طريفة في تدوين العلم، سلكها كثير من علمائنا الأقدمين - وقد جمع المحقق في مقدمته للكتاب عددًا وفيرًا من أسمائها - ولم يطبع إلاّ اليسير النادر منها. والمزية الثالثة: تتجلّى في المكانة العلمية للسائل، فتكون مسائله عن نقاط دقيقة، وقضايا علمية جديرة بالاهتمام والسؤال، وإذا ما عرضت له مشكلة في بحثه - وهو العالم المتمكن - وعجز عن حلها، أو أراد أن يتثبت من الحل الذي ارتآه - فزع إلى شيوخه، فسألهم، ودوّن ذلك عنهم١. على أن كتب المسائل - أو السؤالات - تجمع فوائد يسمعها جامع الكتاب من شيخه الذي يدوّن له أجوبته، ولو لم يكن سأله عنها. فهي - إذًا - معلمة فوائد، وديوان نوادر، يلتقطها العالم البصير من شيخه بسؤال يوجهه هو أو غيره إلى شيخه، أو أن يقول الشيخ فائدة عابرة دون سؤال سائل. وإن الآجري أحد علماء هذا الفن المتمكنين فيه، كما يظهر لقارئ كتابه، وإن كانت المصادر المتداولة في التراجم لا تعطينا أخبارًا - بل ولا خبرًا - عنه، وهذا لا يضيره، وكم من أئمة علماء غمرهم التاريخ أو غمروا أنفسهم فلم _________ ١ وهذا يدل على ما كان عليه سلفنا ﵏ من الارتباط الوثيق بين التلاميذ وشيوخهم: تلقيًا، وطول صحبة وملازمة، ورجوعًا إليهم في المشكلات.

1 / 11