ذكر الله تعالى ورسوله وكتابه ﷺ وكتابه مقدمات الحمد لله ﵎، إن أولى ما فغر به الناطق فمه، وافتتح به كلمه، حمدًا لله، واجب على كل ذي مقالة أن يبدأ بالحمد قبل افتتاحها كما بديء بالنعمة قبل استحقاقها. الحمد لله كما افتتح كتابه الكريم، وفرقانه العظيم. الحمد لله شعار أهل الجنة كما قال الله تعالى: " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ". حمد الله خير ما افتتح به القول واختتم، وابتدئ به الخطاب وتمم. خير كلمات الشكر ما افتتح به القرآن من الحمد لله رب العالمين. غرر التحاميد الحمد لله الذي لم يستفتح بأفضل من اسمه كلام، ولم يستنجح بأحسن من صنعه مرام. الحمد لله الذي جعل الحمد مستحق الحمد حتى لا انقطاع، وموجب الشكر بأقصى ما يستطاع. الحمد لله مانح الأعلاق، وفاتح الأغلاق. الحمد لله إبداء وإعادة. الحمد لله معز الحق ومديله، ومذل الباطل ومزيله. الحمد لله المبين أيده، المتين كيده. الحمد لله ذي الحجج البوالغ والنعم السوابغ والنقم الدوامغ. الحد لله معز الحق وناصره

1 / 7

ومذل الباطل وقاصره. الحمد لله الذي أقل نعمه يستغرق أكثر الشكر والحمد لله الذي لا خير إلا منه ولا فضل إلا من لدنه. وصف الحمد حمد لا انقطاع لراتبه ولا إقلاع لسحائبه. حمدًا يكون لإنعامه مجازيًا ولإحسانه موازيًا، وإن كانت آلاؤه لا تجازي، ولا توازي، ولا تباري، ولا تجاري. حمدًا يتردد أنفاس الصدور ويتكرر تكرر لحظات العيون. حمدًا يستنزل الرحمة ويستكشف الغمة. حمدًا يبلغ الحق ويقتصيه، ويمتري المزيد ويقضيه. حمدًا يؤنس وحشي النعم من الزوال، ويحرسها من التغير والانتقال. عادة الله جل ذكره عادة الله لا تطلب لها غاية إلا قصرت الأوهام عنها، ولا تنسخ فيها آية إلا أتي بخير منها، لا يزال الله يجرينا على أحسن عادة، ويقسم لنا أفضل سعادة. عادة من الله كريمة لا تخلف، وعدة من تفضله لا تخلف، على أحسن ما اعتيد، من إحسانه العتيد، عادة الله جميلة تفوت الشكر وتسبقه، وتستوعب الحمد وتستغرقه، عادات الله قد فاتت مرام الهمم، وشأت تواريخ الأمم. صنع الله ولطفه للدهر نوائب تتخرم وتتطرف، ثم إن غمراتها تتجلى وتتكشف، فلله تعالى في أثنائها الصنع الجزيل والفرج القريب، سبحان من له في كل قضية ألطاف نعرفها ونثبتها في فضله ونعمته، أو نجهلها فنردها إلى عدله وحكمته. أحمد الله الذي لا يخلي عباده من صنع لهم تنطوي عليه أثناء

1 / 8

النكبات إذا طرقت، ولطف بهم يلين صعاب الخطوب إذا جمحت. ألطاف الله تسير إلى عباده في طرق خفية المذاهب، رقيقة الجوانب. لله مع كل لمحة صنع حفي ولطف خفي، لله ألطاف سيبلغ الكتاب فيها أجله، ويعمل الإقبال في إتمامها عمله. صنع الله لطيف، وفضله بنا مطيف. ذكر الله تعالى في أثناء الكلام علام الغيوب، ومن بيده أزمة القلوب، الخبير بما تجن الظمائر، وتكن السرائر، العالم بما تفضي إليه الأمور، وبخائنة الأعين وما تخفي الصدور، أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، سميع لراجيه، قريب ممن يناجيه، حكمه مقبول، وأمره مفعول، الله يعلم وهو أعلم شهيد، وأقرب للضمير من حبل الوريد، وكل خير بيديه، وتتوجه الرغبات إليه، الله الحفي بساؤله، المشفع لوسائله، الذي بيده مقاليد الأمور، ومفاتيح المقدور، الله منجز عداته، وحافظ عاداته، هو النافذ أمره، العزيز نصره، الجلي صنعه، الخفي مكره، أن الله يقضي ما يريد، وإن رغم أنف الشيطان المريد. هو السميع البصير، العالم بما يجن الضمير، من له الخلق والأمر، وسواء عنده السر والجبر، مولى الخلق، وباسط الرزق قد أحلته على ملي، وكتبت له إلى وفي، إن الله منجز وعده، ولا خلف عنده، الأمر له والخلق بيديه، والاستعانة به والتفويض إليه. ذكر النبي محمد ﷺ سليل أكرم نبعة، وقريع أشرف بقعة. جاء بأمته من الظلمات إلى النور، وأفاء عليهم الظل بعد الحرور. محمد نبي الله وصفوته وخيرته من بريته، مؤكد دعوته بالتأييد. ومفرد شريعته بالتأبيد، خيرة الله من خلقه. وحجته في أرضه، والهادي إلى حقه. والمنبه على حكمه، والداعي إلى رشده. والآخذ

1 / 9

بفرضه، مبارك مولده، سعيد مورده، قاطعة حججه. سامية درجه، ساطع صباحه. متوقد مصباحه، مظفرة حروبه. ميسرة خطوبه، قد أفرد بالزعامة وحده، وحتم بأن لا نبي بعده، نفصح بشعاره على المنابر. وبالصلاة عليه في المحاضر، ونعمر بذكره صدور المساجد، وتستوي في الانقياد لأمره حالتا المقر والجاحد، آخر الأنبياء في الدنيا عصرًا. وأولهم يوم الدين ذكرًا، وأرجحهم عند الله ميزانًا. وأوضحهم حجة وبرهانًا، صدع بالرسالة، وبلغ في الدلالة. ونقل الناس من طاعة الشيطان الرجيم، إلى طاعة الرحمن الرحيم. أرسله الله للإسلام قمرًا منيرًا، وقدرًا على أهل الضلال مبيرًا. الصلاة عليه مع الافصاح صلى الله على محمد خير من افتتحت بذكره الدعوات، واستنجمت بالصلاة عليه الطلبات، صلى الله على محمد نبي مبعوث، وأفضل وارث وموروث، صلى الله على كاشف الغمة عن الأمة، الناطق فيهم بالحكمة، الصادع بالحق، الداعي إلى الصدق، محمد رسوله الذي ملكه هوادي الهدى، ودل به على ما هو خير وأبقى، صلى الله على بشير الرحمة والثواب، ونذير السطوة والعقاب، محمد الذي أدى الأمانة مخلصًا، وصدع بالرسالة مبلغًا ملخصًا، صلى الله على أتم بريته خيرًا وفضلًا، وأطيبهم فرعًا وأصلًا، وأكرمهم عودًا ونجرًا، وأعلاهم منصبًا وفخرًا. ذكر الآل وعلى آله الذين عظمهم توقيرا، وطهرهم تطهيرا، وعلى آله مقاليد السعادة ومفاتيحها، ومجاديح البركة ومصابيحها، أعلام الإسلام، وأمان الإيمان، الطيبين الأخيار، والطاهرين الأبرار، الذين أذهب عنهم الأرجاس، وطهرهم من الأدناس، وجعل مودتهم أجرًا له على الناس، وعلى آله الذين هم حبل

1 / 10

الهدى، وشجرة التقوى، وسفينة النجاة العظمى، وعروة الدين الوثقى، الذين هم زينة الحياة، وسفينة النجاة، وشجر الرضوان، وعشيرة الإيمان، وعلى الشجرة التي أصلها نبوة، وفرعها مروة، وأغصانها تنزيل، وورقها تأويل، وخدمها جبريل وميكائيل. ذكر القرآن حبل الله الممدود، وعهده المعهود، وظله العميم، وصراطه المستقيم، وحجته الكبرى، ومحجته الوضحى، هو الواضح سبيله، الراشد دليله، الذي من استضاء بمصابيحه أبصر ونجا، ومن أعرض عنها زل وهوى، فضائل القرآن، لا تستقصى في ألف قران. حجة الله وعهده، ووعيده ووعده، به يعلم الله الجاهل، ويعمل العاقل. وينتبه الساهي، ويتذكر اللاهي. بشير الثواب، ونذير العقاب، وشفاء الصدور، وجلاء الأمور. من فضائله أنه يقرأ دائبًا، ويكتب ويمل فلا يمل. ما أهون الدنيا على من جعل القرآن إمامه، وتصور الموت أمامه. طوبى لمن جعل القرآن مصباح قلبه، ومفتاح لبه. من خلق القرآن حفظ ترتيبه، وحسن ترتيله.

1 / 11