Page 9

الجزء الأول | الحمد لله [ الواحد العدل ] الحمد لله الذي تفرد بالكمال ، فكل كامل كامل سواه منقوص ، واستوعب عموم المحامد والممادح ، فكل ذي عموم عداه مخصوص ، الذي وزع منفسات نعمه بين من يشاء من خلقه ، واقتضت حكمته أن نافس الحاذق في حذقه فاحتسب به عليه من رزقه وزوى الدنيا عن القفضلاء فلم يأخذها الشريف بشرفه ، ولا السابق بسبقه ، وقدم المفضول على الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف ، واختص الأفضل من جلائل المآثر ونفائس المفاخر بما يعظم عن التشبيه ، ويجل عن التكييف ، وصلى على رسوله محمد ، الذي المكنى عنه شعاعه من شمسه ، وغصن من غرسه ، وقوة من قوى نفسه ، ومنسوب إليه نسبة الغد إلى يومه واليوم إلى أمسه ، فما هما إلا سابق ولاحق وقائد وسائق وساكت وناطق ، ومجل ومضل ، سبقا لمحة البارق ، وأنارا سدفه الغاسق ، صلى الله عليهما ما استخلب خبير ، وتناوح جراء وثبير . وبعد ، فإن مراسم المولى الوزير الأعظم ، الصاحب ، الصدر الكبير المعظم العالم العادل المظفر المنصور المجاهد ، المرابط ، مؤيد الدين عضد الإسلام ، سيد وزراء الشرق والغرب ، أبي طالب محمد بن أحمد بن محمد العلقمي ن نصير أمير المؤمنين _ أسبغ الله عليه من ملابس النعم أضفاها ، وأحله من مراقب السعادة ومراتب السيادة أشرفها وأعلاها _ أيما شرقت عبد دولته ، وربيب نعمته بالاهتمام بشرح ' نهج البلاغة ' على صاحبه أفضل الصلوات ، ولذكره أطيب التحيات - بادر إلى ذلك من بعثه من قبل عزم ثم حمله أمر جزم ، وشرع فيه بادي الرأي شروع مختصر ، وعلى ذكر الغريب والمعنى مقتصر ، ثم تعقب الفكر ، فرأى أن هذه النغبة لا تشفى أواما ، ولا تزيد الحاتم إلا حياما ، فتنكب ذلك المسلك ، ورفض ذلك المنهج ، وبسط القول في شرحه بسطا اشتمل على الغريب والمعاني وعلم البيان ، وما عساه يشتبه ويشكل من الإعراب والتصريف ، وأورد في كل موضع ما يطابقه من النظائر والأشباه ، نثرا ونظما ، وذكر ما يتضمنه من السير والوقائع والأخحداث فصلا فصلا وأشسار إلى ما ينطوي عليه من دقائق علم التوحيد والعدل إشارة خفيفة ، ولوح إلى ما يستدعي الشرح ذكره من الأنساب والأمثال والنكت تلويحات لطيفة ، ورضعه من المواعظ الزهدية ، والزواجزالدينية ، والحكم النفسية ، والآداب الخلقية ، المناسبة لفقره ، والمشاكلة لدرره ، والمنتظمة مع معانيه في سمط ، والمنسقة مع جواهره في لط ، بما يهزأ بشنوف النضار ، ويحجل مع الروض غب القطار وأوضح ما يومئ إليه من المسائل الفقهية ، وبرهن على أن كثيرا من فصوله داخل في باب المعجزات المحمدية ، لاشتمالهاغ على الأخبار الغيبية ، وخروجها عن وسع الطبيعة البشرية . وبين من مقامات العارفين ، التي يرمز إليهخا في كلامه ما لا يعقله إلا العالمون ، ولا يدركه إلا الروحانيون المقربون ، وكشف عن مقاصده عليه السلام في لفظة يرسلها ، ومعضلة يكنى بها ، وغامضة يعرض بها . وخفايا يجمجم بذكرها ، وهنات تجيش في صدره فينفث بها نفثه المصدور ، ومرمضات مؤلمات يشكوها فيستريح بشكواها استراحة المكروب . فخرج هذا الكتاب كتابا كاملا في فنه ، واحدا بين أبناء جنسه ، ممتعا بمحاسنه ، جليلة فوائده ، شريفة مفاصده ، عظيما شأنه ، عاليبة منزلته ومكانه ، ولا عجب أن يتقرب بسيد الكتب إلى سيد الملوك ن ، وبجامع الفضائل إلى جامع المناقب ، وبواحد العصر إلى أوحد الدهر ، فالأشياء بأمثالها أليق ، وإلى أشكالها أقرب ، وشبه الشئ منجذب ، ونحوه دان ومقترب . | ولم يشرح هذا الكتاب قبلي - فيما أعلمه - إلا واحد ، وهو سعيد بن هبة الله بن الحسن الفقيه المعروف بالقطب الراوندي ، وكان من فقهاء الإمامية ، ولم يكن من رجال هذا الكتاب ، لاقتصاره مدة عمره على الاشتغال بعلم الفقه وحده ، وأنى للفقيه أن يشرح هذه الفنون التنوعة ، ويخوض في هذه العلوم المتشعبة لا جرم أن شرحه لا يخفى حاله عن الذكي ، وجرى الوادي فطم على القرى ، وقد تعرضت في هذا الشرح لمناقضته في مواضع يسيرة اقتضت الحال ذكرها وأعرضت عن كثير مما قاله ، إذ لم أر في ذكره ونقضه كبير فائدة . وأنا قبل أن أشرع في الشرح أذكر أقوال أصحابنا رحمهم الله في الإمامة والتفضيل والبغاة والخوارج ، ومنبع ذلك بذكر نسب أمير المنؤمنين عليه السلام ، ولمع بسيرة من فضائله ، ثم أثلث بذكر نسب الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين الموسوي رحمه الله ، وبعض خصائصه ومناقبه ، ثم أشرع في شرح خطبة ' نهج البلاغة ' التي هي من كلام الرضي أبي الحسن رحمه الله ، فإذا انتهيت من ذلك كله في شرح كلام أمير المؤمنين عليه السلام شيئا فشيئا . | ومن الله سبحانه أستمد المعونة ، وأستدر أسباب العصمة ، وأستميح عمائم الرحمة ، وأمتري أخلاف البركة ، وأشيم بارق النماء والزيادة ، فما المرجو إلا فضله ، ولا المأمون إلا طوله ، ولا الوثوق إلا برحمته ، ولا السكون إلا إلى رأفته ، ^ ( ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير * ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ) ^ | |

Page 10

القول فيما يذهب إليه أصحابنا المعتزلة في الإمامة والتفضيل والبغاة

والخوارج

Page 11

Page 12

اتفق شيوخنا كافة رحمهم الله ، المتقدمون منهم والمتأخرون ، والبصريون والبغداديون على أن بيعتة أبي بكر الاصدبق بيعة صحيحة شرعية ، وأنها لم تكن عن نص ن وإنما كانت بالاختيار الذي ثبت بالإجماع ، وبغير الإجماع كونه طريقا إلى الإمامة . | واختلفوا في التفضيل ، فقال قدماء البصريين كأبي عثمان عمرو بن عبيد ، وأبي إسحاق إبراهيم بن سيار النظام ، وأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، وأبي معن ثمامة بن أشرس ، وأبي محمد هشام بن عمرو والفوطي ، وأبي يعقوب يوسف بن عبد الله السحام ، وجماعة غيرهم ، إن أبا بكر أفضل من علي عليه السلام ، وهؤلاء يجعلون ترتيب الأربعة في الفضل كترتيبهم في الخلافة . | وقال البغداديون قاطبة ، قدماؤهم ومتأخروهم ، كأب يسهل بشر بن المعتمر ، وأبي موسى عيسى بن صبيح ، وأبي عبد الله جعفر بن مبشر ، وأبي جعفر الإسكافي ، وأبي الحسين الخياط ، وأبي القاسم عبد الله بن محمود البلخي وتلامذته . إن عليا عليه السلام أفضل من أبي بكر . | وأبي هذا المذهب ذهب من البصريين أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي أخيرا ، وكان من قبل من المتوقفين ، كان يميل إلى التفضيل ولا يصرح به ، وإذا صنف ذهب إلى الوقف في مصنفاته ، وقال في كثير من تصنيفاته ، إن صح خبر الطائر فعلي ذهب إلى الوقف في مصنفاته ، وقال في كثير من تصانيفه ، إن صح خبر الطائر فعلي أفضل ، ثم إن قاضي القضاة رحمه الله ذذذكر في شرح ' المقالات ' لأبي القاسم البلخي أن أبا علي رحمه الله ما مات حتى قال بتفضيل عليه اعليه السلام ، وقال : إنه نقل ذلك عنه سماعا ، ولم يوجد في شيء من مصنفاته ، وقال أيضا : إن أبا علي رحمه الله يوم مات استدنى ابنه أبا هاشم إليه ، وكان قد ضعف عن رفع الصوت ، فألقى إليه أشياء من جملتها القول بتفضيل علي عليه السلام . | وممن ذهخب من البصريين إلى تفضيله عليه السلام أبو عبد الله الحسين ابن علي البصري رضي الله عنه ، كان متحققا بتفضيله ، ومبالغا في ذلك ، وصنف فيه كتابا مفردا . | وممن ذهب إلى تفضيله عليه السلام من البصريين قاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد رحمه الله ، وذكر ابن متويه عنه في كتاب الكفاية في علم الكلام أنه كان من المتوقفين بين علي عليه السلام وأبي بكر ، ثم قطع على تفضيل عليه عليه السلام بكامل المنزلة . ومن البصريين الذاهبين إلى تفضيله عليه السلام أبو محمد الحسن بن متويه صاحب ' التذكرة ' نص في كتاب الكفاية على تفضيله عليه السلام على أبي بكر ، واحتج لذك وأطال في الاحتجاج . | فهذان المذهبان كما عرفت . | وذهب كثير من الشيوخ رحمهم الله إلى التوقف فيها ، وهو قول أبي حذيفة واصل ابن عطاء ، وأبي الهذيل محمد بن الهذيل العلاف ، من المتقدمين ، وهما وإن ذهبا إلى التوقف بينه عليه السلام وبين أبي بكر وعمر قاطعان على تفضيله على عثمان . | ومن الذاهبين إلى الوقف الشيخ أبو هاشم عبد السلام بن أبي علي رحمهما الله والشيخ أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري رحمه الله . | وإما نحن فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا البغداديون ، من تفضيله عليه السلام وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الأفضل ، وهل المراد به الأكثر ثوابا أو الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة ، وبينا أنه عليه السلام أفضل على التفسيرين معا ، وليس هذا الكتاب موضوعا لذكر الحجاج في ذلك أو في غيره من المباحث الكلامية لتذكره ، ولهذا موضع هو أملك به . | وأما القول في البغاة عليه والخوارج ، فهو على ما أذكره لك . أما أصحاب الجمل فهم عند أصحابنا هالكون كلهم إلا عائشةى وطلحة والزبير رحمهم الله فإنهم تابوا ، ولولا لحكم لهم بالنار لإصرارهم على البغي . | وأما عسكر الشام بصفين فإنهم هالكونت كلهم عند أصحابنا لا يحكم لأحد منهم إلا بالنار لإصرارهم على البغي وموتهم عليه رؤساؤهم والاتباع جميعا . | وأما الخوارج فإنهم مرقوا عن الدين بالخبر النبوي المجمع عليه ، ولا يختلف أصحابنا في أنهم من أهل النار | وجملة الأمر أن أصحابنا يحكمونه بالنار لكل فاسق مات على فسقه ، ولا ريب في أن الباغي على الإمام الحق والخارج عليه بشبهة أو بغير فاسق ، وليس هذا مما يخصون به عليا عليه السلام ، فلو خرج قوم من المسلمين على غيره من أئمة الإسلام العدول لكان حكمهم من خرج على علي صلوات الله عليه . وقد برئ كثير من أصحابنا من قوم من الصحابة أحبطوا ثوابهم ، كالمغيرة بن شعبة وكان شيخنا أبو القاسم البلخي إذا ذكر عنده عبد الله بن الزبير ، يقول : لا خير فيه ، وقال مرة : لا يعجبني صلاته وصومه ، وليسا بنافعين له مع قول رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : ' لا يبغضك إلا منافق ' وقال أبو عبد الله البصري رحمه الله لما سئل عنه : ما صح عندي أنه تاب من يوم الجمل ، ولكنه استكثر مما كان عليه . | فهذه هي المذاهب والأقوال ، أما الاستدلال عليها فهو مذكور في الكتب الموضوعة لهذا الفن . | |

Page 13