بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. قال الأستاذ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن هشام اللغوي، ﵁ وأرضاه. وجعل الجنة سكناه. سألتني، وفقني وإياك لمنهجه القويم وصراطه المستقيم، أن أشرح لك ما وقع في كتاب الفصيح من الألفاظ المشكلة والمعاني المقفلة وأنبهك على ما فيه من الهفوات والسقطات على ما اتصل بي في أصح الروايات، وذكرت أن أكثر من تقدم إلى شرحه لن يشفوا عليلًا، ولا بردوا غليلًا، ولا استوفوا غرضًا، ولا ميزوا من جوهره عرضًا، وإنما فسروا من كل بعضًا، وذكروا من غيض غيضًا: وتركوا ما كان إيضاحه واجبا عليهم وغرضًا، ولاسيما المبتدئ الذي يخيط في الجهالة خيط عشواء، وتنبهم عليه أكثر الأشياء، وليس عنده من الأداة إلا القلم والدواة، فأجبتك إلى ذلك رجاء ثواب الله وغفرانه، وابتغاء فضله وريحانه، وثم أترك فيه حرفًا إلا شرحته، ولا معنى مستغلقا إلا بينته وأوضحته، هذا وإن قل المنصف وكثر المتعسف وصار الأدب عارًا على صاحبه ونقصا لطالبه حتى قال بعض شعراء العصر بنسب حامله إلى الشقاء والمقت. (أشقى يجرك أن تكون أديبا ... أر أن يرى فيك الورى تهذيبا) (مازلت مستويا ففعلك كله ... عوج وإن أخطأت كنت مصيبا) (كالنقش ليس يتم معنى ختمه ... حتى يكون بناؤه مقلوبا) وقال أيضًا غيره في ذلك المعنى جاريًا على ذلك المغزى: (وإذا انتسبت إلى العلوم وجدتها ... مشيا يعد به علي فتصون)

1 / 45

(وغضارة الأيام تأبى أن يكو ... ن بها لأبناء الذكاء نصيب) (ولذاك من صحب الليالي طالبًا ... جدًا وفهمًا إنه المطلوب) وهذا كله على الحقيقة غرور وأقوال زور فالعلم أحسن ما به تزين وقيمة كل أمرئ ما يحسن. كتاب الفصيح، أعزك الله، وإن صغر جرمه وقل حجمه ففائدته كبيرة عظيمة ومنفعته عند أهل العلم خطيرة جسيمة، ومما يقوي الرغبة في مطالعته وبحث على لزوم قراءته ودراسته ما يروى عن أبي الحسن علي ابن سليمان بن الفضل الأخفش ﵀، أنه قال: أقمت أربعين سنة أغلظ العلماء من كتاب الفصيح، هذا قوله والزمن مغمور بفضائل الحكماء معمور الأرجاء بمحاسن الأدباء لم تعف رسومه ولا أخوت نجومه. وقال أيضًا بعض الشعراء ينبه في شعره على جلالة قدره وعظم خطره: (كتاب الفصيح كتاب مليح ... يقال لقارئه ما أبلغه) (عليك أخي به إنه ... لباب اللباب وصفو اللغة) وها أنا أبدأ بشرح أبوابه وذكر المهم من معانيه وإعرابه على طريق الإيجاز والاختصار ومجانبة الإكثار، ومن الله أسأل العصمة والتوفيق فهو الهادي إلى سواء الصراط لا رب غيره.

1 / 46

قال الفقيه الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن هشام ﵀: أخبرنا بكتاب الفصيح الفقيه الأجل المحدث الأفضل أبو بكر بن العربي ﵀، عن أبي الحسن المبارك بن عبد الجبار، وعن أبي الحسن علي بن سعيد العبدري، وعن أبي زكريا أحمد بن علي الشيباني ثم التبريزي كلهم قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري، عن أبي العباس أحمد بن يحيى بن زيد النحوي المعروف بثعلب مؤلفه، ﵀، وكان هو ومحمد بن يزيد عالمين قد ختم بهما تاريخ الأدباء، وكانا كما قال بعض الشعراء: (أيا طالب العلم لا تجهلن ... ولد بالمبرد أو ثعلب) (تجد عند هذين علم الورى ... ولا تك كالجمل الأجرب) (علوم الخلائق مقرونة ... بهذين في الشرق والمغرب)

1 / 47

باب فعلت بفتح العين قال أبو عبد الله محمد بن أحمد بن هشام، ﵁: قوله: (نمى المال ينسى). يعني: زاد، وقالوا في المستقبل: ينمو وينمي، وهما لغتان فصيحتان، وكان حقه أن يذكرهما كما شرط، ولم يأت إلا بينسي فقط، والمال عند بعض العرب: الإبل والبقر والغنم، ولا يقال للذهب والفضة عندهم: مال، إنما يقال له: نقد؟؟؟، وأقله ما تجب فيه الزكاة، وما نقعس عن ذلك فليس بمال، وحكى أبو عمر صاحب الياقوتة: أن المال الصامت والناطق، فالصامت: الدنانير والدراهم والجوهر: والناطق: البعير والبقرة والشاة، قال: ومنه قولهم: (ماله صامت ولا ناطق) ومنهم من أوقع المال على جميع ما يملكه الإنسان وهو الصحيح. (ذوى العوه) "يذوي" ذبل، ولا يقال: جف، ويقال: ذاى يذأى: وهما لغتان أيضا؟؟؟؟ ولم يخبر بهما، وحكى؟؟؟؟؟: وذيي أقلها. (؟؟؟؟ الرجل). ؟؟؟؟ الرشد، والغبي: ضد الرشد، قال الله تعالى: ﴿قد تبين الرشد من الغي﴾ [البقرة: ٢٥٦] أي: الإيمان من الكفر: وقالوا: غوي أيضًا على ما حكى أبو عبيد:

1 / 48

والبيت الذي استشهد به يروى للمرقش الأصغر، وسمي مرقشًا، لأنه كان يزين شعره، واسمه ربيعة بن سفيان بن سعد بن مالك من قصيدة يقولها في قصةٍ طويلة جرت بينه وبين عمرو بن جناب بن عوف بن مالك صاحبه وفاطمة بنت المنذر وقبله: (وآلى جناب حلفة فاطمته ... بنفسك ول اللوم إن كنت نادما) (ألم تر أن المرء يجلم كفه ... ويجشم من لؤم الصديق المجاشما) فمن يلق خيرًا البيت ومعنى يلق يصب، والشاهد فيه، قوله: يغو، فأتى بالمستقبل، - لأنه قد علم أن كل فعل أتى مستقبله على يفعل، بكسر العين، فإن ماضيه على فعل، بفتح العين، إلا ما شذ وأتى على فعل يفعل، وذلك أربعة وعشرون فعلًا: منها خمسة أفعال صحاح، والباقي معتلة، فالخمسة الصحاح: نعم ينعم وحسب يحسب ويبس ييبس بئس يبئس وبئس يبئس، والمعتلة: ومق يمق، ووفق أمره يفق، ووثق يثق، ووري الزند يري، وولي يلي، وورث يرث، وورع يرع، وورم يرم، ووجز يجز، ووغر صدره يغر، ووطئ يطأ، ووسع يسع لأن الأصل في هذين الفعلين كسر العين، وإنما انفتحا من أجل حرف الحلق، وزاد المبرد: وهم بهم، وزاد صاعد: نجد ينجد إذا عرق، والمشهور: ينجد، بفتح العين، وزاد سيبويه: أن يئن، وأصل أن: أون، وتاه يتيه وطاح

1 / 49