درة الغواص قال الشيخ الأجل الرئيس أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري. رحمه الله تعالى: "أما بعد حمد لله الذي عم عباده بوظائف العوارف، وخص من شاء منهم بلطائف المعارف، والصلاة على نبيه محمد العاقب، وعلى آله وأصحابه أولي المناقب". فإني رأيت كثيرًا ممن تسنموا أسنمة الرتب، وتوسموا بسمة الأدب، قد ضاهوا العامة في بعض ما يفرط عن كلامهم، وترعف به مراعف أقلامهم، مما إذا عثر ــ قال ﵀: أما بعد حمد لله الذي عم عباده بوظائف العوارف. العوارف: جمع عارفة، وهي كالعرف، والمعروف بمعنى الإحسان، ومن لطائف "أبي علي الباخرزي": (ملئت "زورن" من سادة ... لهم نفوس بالعلا عارفات) (ما أغتدي إلا ومن عندهم ... عارفة عندي بل عارفات) (قد بقي الفخر بهم والندى ... في الناس، والبخل مع العار فات) فإن قلت: هل يكون هذا حمدًا وهو لم يحمد، وإنما ذكر أنه سبق منه الحمد؟ . قلت: نعم فإن الإخبار عن الحمد حمد، ولذا جوزوا في جملة الحمد أن تكون خبرية

1 / 38

عليه، وأثر عن المعزو إليه خفض قدر العلية، ووصم ذا الحلية، فدعاني ألأنف لنباهة أخطارهم، والعكف بإطابة أخبارهم إلى أن أدرأ عنهم الشبه، وأبين ما التبس عليهم ــ وإنشائية، والخطبة قد يتأخر وضعها عن الكتاب فيجوز أن يكون المصنف حمد لله بلفظه أولًا، ثم ذكره هنا لأن خطبة الكتاب كالعنوان الذي يتأخر كتابته كما قال "الغزي" في قصيدة له: (وافي زمانك آخرًا وتقدمت ... بك همة في كفها قصب الندى) (فغدوت كالعنوان يكتب آخرًا ... وبه كان القراءة يبتدى) (وخص من شاء منهم بطائف المعارف، (والصلاة على نبيه محمد العاقب) أصل معنى الصلاة الانعطاف الجسماني لأنها مأخوذة من الصلوين على ما حُقق في شروح "الكشاف"، ثم استعمل في الرحمة والدعاء لما فيها من التعطف المعنوي، ولذا عدي بعلي، كما يقال: تعطفت عليه، فلا ترد عليه أن تعدي الدعاء بعلى للمضرة فكيف تكون الصلاة بمعنى الدعاء؟ ولا حاجة إلى أن يقال: لا يلزم من كون لفظة بمعنى لفظة أن تتعدى تعديتها. (ومحمد) مفعل من الحمد والتكرير فيه للتكثير والمبالغة، وهو من اسم المفعول للتفاؤل. وفي السير أنه قيل لجده [عبد المطلب]: لم سميت ابنك محمدًا وليس من أسماء آبائك؟ فقال: رجوت أن يحمد في السماء والأرض. وفي شرح "الهادي" أخطأ من قال إنه مرتجل. وفيه نظر.

1 / 39

واشتبه لألتحق بمن زكا أكل غرسه، وأحب لأخيه ما يحب لنفسه، فألفت هذا الكتاب تبصرة لمن تبصر، وتذكرة لمن أراد أن يتذكر، وسميته: "درة الغواص في أوهام الخواص" وها [أنا] قد أودعته من النخب ك لبان، ومن النكت ما لا ــ (والعاقب) بمعني آخر الأنبياء - كما في "الصحاح" - وفي الحديث الصحيح المروي في "الشمائل" وغيره أنه ﷺ قال: "إن لي أسماء، أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي لا نبي بعدي اهـ. وفي شرح "الشفاء": العاقب الآتي عقيب الأنبياء، وليس بعده نبي. وقال "ابن الأعرابي": معناه من يخلف في الخير من كان قبله، ومنه عقب الرجل لولده، وظاهر الحديث مؤيد للأول. لكن في دلالته [عليه] بحسب اللغة خفاء، ويوجه بأن من تعقب قومًا يكون آخرهم، فلا يكون بعده أحد منهم، تفسير له يلازمه، أو هو

1 / 40

يوجد منتظمًا في كتاب. هذا إلى لمعته به من النوادر اللائقة بمواضعها، والحكايات الواقعة في مواقعها، فإن حلي بعين الناظر فيه والدارس، وأحلاه محل القادح لدى القابس، وإلا فعلى الله تعالى أجر المجتهد، وهو حسبي وعليه أعتمد. ــ من التعريف العهدي. وإنما خصه المصنف بالذكر لأنه مأثور مع ما فيه من الإشارة إلى أن موضوع كتابه التعقيب على من قبله، ولو فسر به الحديث صح، ويكون معناه الناسخ لشرع من قبله والمكمل لسائر الشرائع. وكان الأولى أن يقول المصنف: الصلاة والسلام لأن إفراد أحدهما عن الآخرة مكروه عند كثير من العلماء، للأمر بذلك في آية: ﴿صلوا عليه وسلموا﴾. فإن قلت: ما تصنع في حديث التشهد الوارد فيه "اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم" بدون سلام؟ قلت: أجاب عنه "النووي" في شرح "مسلم" بأنه اكتفى بذكره مقدمًا في قوله: "السلام عليك أيها النبي" فتأمل. (وعلى آله وصحبه أولي المناقب) في "الحواشي": آله مرغوب عنه؛ لأن الإضمار يرد الكلم إلى أصولها كثيرًا. وأصل أهل؛ بدليل قولهم في تصغيره: أهيل، فالوجه على أهله إلى أن يظهر فيقول: آل محمد. اهـ. أقول: هذا مذهب "الكسائي" و"الزبيدي"، وهو مردود لأن إضافته إلى الضمير سمعت عن العرب نظمًا ونثرًا. قال

1 / 41

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ــ "عبد المطلب": وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك. وما ذكره غير مطرد؛ ألا تراك تقول: يده ودمه وهنه بغير رد؟ وقال "ابن السيد" - في شرح "أدب الكاتب": هذا المذهب لا قياس يعضده ولا سماع يؤيده، وفي "كامل المبرد" عن معاوية في قصته: فيجتمع عليك من آلك، وكذا ورد في كثير من شعر العرب، كقول "خفاف السلمي": (أنا الفارس الحامي حقيقة والدي ... وآلي كما تحمي حقيقة آلكا)

1 / 42