بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة في التعريف بالسمناني وكتابه روضة القضاة وطريق النجاة وصف المخطوطة: من نفائس المخطوطات الفقهية التي صورها معهد المخطوطات العربية بالقاهرة مخطوطة: روضة القضاة وطريق النجاة للعلامة علي بن محمد السمناني أو ابن السمناني. * * * وقد جلبت المكتبة المركزية لجامعة بغداد مشكورة نسخة ميكروفلمية من هذه المخطوطة بناء على طلبي، وصورت هذه النسخة في المجمع العلمي العراقي لحساب مكتبتي الخاصة تمهيدًا لقيامي بدراستها ونشرها محققة، ولذا فقد رأيت من المناسب أن أعرفها ومصنفها وموضوعها للقراء الكرام تمهيدًا لنشرها في سلسلة دراسات إسلامية: أهم المخطوطات الفقهية، تلك المجموعة التي اضطلعت بنشرها منذ عام (١٩٦٥) ولحسن الحظ فقد عثرت في سفرتي الأخيرة إلى تركية في صيف (١٩٦٧) على نسخة خطية أخرى من هذا المصنف هي نسخة قليج علي باشا فصورت لمكتبتي. لقد جاء في أول ورقة من النسخة الأولى من هذه المخطوطة: كتاب أدب القاضي المسمى بروضة القضاة تأليف العلامة علي بن محمد السمناني تغمده الله برحمته وهو بخط مؤلفه. وذكر في آخر هذه المخطوطة أنه "فرغ من تأليفه صبيحة يوم الجمعة مستهل سنة ثمان وأربعمائة (كذا). وجاء في أول ورقة من نسخة قليج علي باشا: كتاب روضة القضاة وطريق النجاة تأليف الإمام العلامة قدوة المحققين ودرة المدققين أبي القاسم علي بن محمد بن أحمد السمناني الحنفي.

1 / 3

وظاهر أن الصحيفة الأولى من نسخة معهد المخطوطات من هذه المخطوطة ليست من أصل الكتاب وأنها أضيفت إليه أما الصحيفة الأخيرة من الكتاب فيستفاد منها أن ناسخ المخطوطة هو أبو عبد الله محمد بن علي .. محمد بن المظفر الشامي أقضى القضاة .. وأنه "وقع الفراغ من تأليف هذا الكتاب صبيحة يوم الجمعة مستهل صفر من سنة ثم (كذا) وأربعمائة، وكتب علي بن محمد السمناني مؤلف هذا الكتاب، وهو يحمد الله ويصلي على محمد النبي وآله، ويسلم، ويسأل المغفرة والنفع في الدارين، وهو حسبه ونعم الوكيل". إن الظاهر من أسلوب كتابة تاريخ تأليف هذا الكتاب في نسخة معهد المخطوطات أن كلمة (ثم) يحتمل أن تكون مختزلة من كلمة ثمانية أو ثمانين، فيكون تاريخ الكتاب هو سنة ثمانين وأربعمائة أي قبل وفاة مؤلفه بمدة تتراوح بين ١٣ - ١٩ سنة، على أن كتب الطبقات تشير -كما سنرى- إلى تاريخ آخر. وقد جاء في نسخة قليج علي باشا أن مصنف الروضة فرغ من تأليفها سنة ٤٧٨ هـ. لقد صورت مخطوطة روضة القضاة لمعهد المخطوطات على (٣٣١) سليدة كل سليدة منها تحتوي على صحيفتين، عدا السليدة الأولى فإنها مؤلفة من صحيفة واحدة وفراغ، وبذلك تكون صفحات الكتاب عبارة عن (٦٦١) صحيفة في كل صحيفة قرابة ١٩ سطرًا وفي كل سطر قرابة (١١) كلمة. أما نسخة قليج علي باشا فيبلغ عدد صفحاتها (٥٢٠) صحيفة في كل صحيفة قرابة (٢٩) سطرًا وفي كل سطر قرابة (١٧) كلمة.

1 / 4

وبالرغم مما ورد في أول صحيفة من هذه المخطوطة من أنها بخط مصنفها فإن ما ورد في خاتمتها ينقض هذا الزعم كما أن أسلوب الكتاب، وما جاء فيه من اختزال بعض الكلمات أو سقوطها ومن أغلاط نحوية ليدل على أن هذه المخطوطة نسخت عن مخطوطة أخرى كانت بخط المصنف. لمن صنفت الروضة؟ ويستفاد من مقدمة الكتاب أن السمناني صنفه بناء على طلب: "نظام الملك وقوام الدين، العادل، العالم، المنصور، المظفر ... أبي علي الحسن بن (الحسين) بن علي بن إسحق، رضى أمير المؤمنين". ونظام الملك هو الوزير السلجوقي الشهير مؤسس المدارس النظامية في بغداد وغيرها من حواضر الإمبراطورية السلجوقية. وقد كان الوزير معروفًا بميله لنشر العلم وتكوين طبقة من الكتاب والفقهاء تتولى تدبير تلك المملكة الفتية التي قامت على أثر هجرة تركية جارفة تزعمها السلاجقة، ولا غرو فقد كانت تلك السلطنة الناشئة الفتية بحاجة إلى تنظيم إداري تحصل به الموازنة بين السيف والقلم، وتستقر به دعائم المملكة السنية الناشئة على أنقاض الدولة البويهية الشيعية ولشدة حرصه على تنظيم دولة السلاجقة ألف بالفارسية كتابًا في السياسة عنوانه "سياستنامة". وكان مزاج ذلك العصر يميل إلى ربط كل دولة من دول الطوائف بمذهب تعتنقه الدولة وتتعصب له وهي خطة ممقوتة تركت آثارها السيئة في المجتمع الإسلامي عصورًا طويلة إلى أن أفاق من بدعتها والتزمت معظم الدولة الإسلامية المعاصرة جانب الحياد تجاه المذاهب وإن شذت عن هذه السياسة إيران وأفغانستان إذ اتخذت الأولى من الإمامية الاثنى عشرية واتخذت الثانية من الحنفية مذهبًا رسميًا مع أن الإسلام ولد ولا مذاهب فيه ويمكنه أن يستمر في الاضطلاع برسالته دون التقيد بمذهب أو التزام قول دون قول.

1 / 5

عصر البويهيين والسلاجقة وحظ الثقافة الإسلامية فيه: ومهما يكن فإن العصر الذي عاش في ظل حضارته كل من السمناني ونظام الملك وظهرت آثاره في عمق ثقافة أولهما وتنوعها ومساعي ثانيهما وجهوده، إن هذا العصر يتسم بقيام الدولة السلجوقية السنية على أنقاض الدولة البويهية التي اصطنعت التشيع وأسرفت في تقييد سلطة الخلافة العباسية وإذلال الخلفاء العباسيين بالعزل وسمل العيون. ولقد حققت القبائل التركية الموحدة في ظل زعامة السلاجقة ما عجز أسلافهم قبل الإسلام عن تحقيقه من استقلال عن تسلط الحكم الفارسي الساساني والسيادة الفارسية على الشعوب التركية المحاربة، فتهيأ بذلك للامة التركية -كما تهيأ من قبل للامة العربية- أن تبدأ مرحلة تكونها القومي الحديث بفضل اعتناق تلك القبائل المهاجرة الإسلام وتحولها من قبائل مبعثرة إلى أمة مجاهدة تضطلع برسالة الدين الإسلامي الحنيف وتدين للإسلام -كما دان العرب من قبل- بهذا التحول في البنية الاجتماعية فتسارع الخلافة العباسية إلى اصطناعها والاستعانة بها على التحرر من نير البويهيين، وما اصطنعه البويهيون من سياسة إذلال الخلافة العباسية، وما أدخلوه على المجتمع الإسلامي في العراق من عادات غير مألوفة هي في نظر أهل السنة وعقلاء الشيعة أنفسهم من البدع التي لا يقرها الإسلام. ومع ذلك فإن هذا السلطان السياسي والنتول القومي الذي تحقق في ظل الدولة السلجوقية لا يعني قيام القطيعة بين عناصر الثقافة الإسلامية التي اضطلع برسالتها الإنسانية الجامعة جميع العناصر القومية الإسلامية من عربية وفارسية وتركية، فقد كانت تلك الثقافة من القوة والفتوة بحيث لم يزدها قيام دول الطوائف إلا متانة ونتولا، ولذا فإن الدولة السلجوقية التركية احتضنت في مضمار الإدارة والثقافة كلًا من اللغتين العربية والفارسية، ولا غرو فإن القوميات الإسلامية تختلف مفاهيمها عن القوميات الغربية لأنها تقوم على أساس مما دعى إليه الإسلام من التعارف والتواضع لا التنابذ والتعالي ومن الأخوة البشرية لا البغضاء الشعوبية ومن أواصر القربي في الإنسانية التي تمت في البداية بأدم وتنتهي في النهاية إلى التراب.

1 / 6

هذه الحقيقة هي التي تفسر لنا أن الدولة السلجوقية الناشئة لم تكد تستقر لها أسباب الملك والسلطنة حتى سعت إلى حماية تلك الثقافة الإسلامية الجامعة، وجنحت إلى المذاهب المعتدلة في تصوير الخلافة ولم تجنح إلى سياسة شعوبية قاتمة تبصق في وجه الفلك من فرط حقدها، وشجعت تأسيس المدارس والجامعات وأتاحت فرصة استمرار انبثاق النبوغ في جميع أرجاء إمبراطوريتها، فنشأ في عصرها مفكرون وفلاسفة وفقهاء عظام، وكل ذلك بالرغم من عوامل الاضطراب التي كانت تشيع في الإدارة وجباية الضرائب، تلك العوامل التي كانت تبرر مصادرة أموال الوزراء والولاة وتعذيبهم بين فينة وأخرى، ذلك أن قيام دول الطوائف المتنافسة في قلب الخلافة الإسلامية من بويهية وسلجوقية وغيرها واستقرار سلطات تلك الدولة المتوثبة بعد فترة الاستيلاء العنيفة كان لا بد له من الشعور بعد ذلك بالحاجة الماسة إلى الاستقرار والتنظيم وإلى طائفة من رجال الفكر والإدارة والفقه وسائر ضروب المعرفة كيما يعود للدولة وللمجتمع ما فقداه من طمأنينة وأمن. والحاصل فقد كانت منجزات السلاجقة -كما وصفها أحد الباحثين الناشئين- رائعة فقد قاومت الغزو الصليبي وأدركت مخاطر المذاهب الباطنية، ونشطت نشاطًا كبيرًا في إنشاء المدارس ودور العلم والعناية بالدارسين والباحثين "فكان محط نظرهم هو أن العلم من أهم الأسلحة التي ينبغي أن تتوفر للامة لصد العدوان عنها ورد كيد الطامعين فيها والطاعنين عليها". وهكذا فإن القلق السياسي الذي كان شائعًا يومئذ لم يحل دون الاستقرار الثقافي والنتول الفكري في المجتمع الإسلامي، فكان ما يحل بالعالم الإسلامي من زعازع وقلاقل وكوارث سرعان ما يضمن التقدم الثقافي له سبيل الهداية والرشاد والتوجيه في ظل مبدأ دستوري إسلامي شهير هو مبدأ الأمر بالمعروف

1 / 7