الرَّدُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ لِلدَّارِمِيِّ ⦗١٧⦘ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبِّ يَسِّرْ وَأَعِنْ بِرَحْمَتِكَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَكَارِمِ عَبْدُ الْعَظِيمِ بْنُ عَبْدِ اللَّطِيفِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الشَّرَابِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِهِ إِلَيْنَا قَالَ: أَخْبَرَتْنَا الشَّيْخَةُ أُمُّ الصُّبْحِ ضَوْءُ النِّسَاءِ بِنْتُ أَبِي الْفَتْحِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ الشَّرَابِيُّ، بِقِرَاءَتِي عَلَيْهَا فِي رَبِيعٍ الثَّانِي مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ قَالَتْ: أَنْبَأَ أَبِي الْإِمَامُ أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي دَارِنَا بِأَصْبَهَانَ، فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ قَالَ: ثنا الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الْخُطَبَاءِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُذَكَّرِ الْهَرَوِيِّ الْمُقِيمِ بِصُعَّ قَرْيَةُ مِنْ قُرَى هَرَاةَ فِيمَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ بِهَا مِنْ أَصْلِ سَمَاعِهِ، بِخَطِّ الْحَافِظِ أَبِي الْفَتْحِ بْنِ سَمْكَوَيْهِ قُلْتُ لَهُ: أَخْبَرَكُمُ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو رَوْحٍ ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ السَّعْدِيُّ فِي شُهُورِ سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ قَالَ: أَنْبَأَ أَبِي أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيُّ، أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا سَعِيدٍ عُثْمَانَ بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: ١ - الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا ⦗١٨⦘ بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، يَعْلَمُ سَرَّ خَلْقِهِ وَجَهْرَهُمُ، وَيَعْلَمُ مَا يَكْسِبُونَ، نَحْمَدُهُ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ، وَنَصِفُهُ بْمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَوَصَفَهُ بِهِ الرَّسُولُ، ٢ - فَهُوَ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، قَرِيبٌ، مُجِيبٌ، مُتَكَلِّمٌ قَائِلٌ، وشَاءٍ مُرِيدٌ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، الْأَوَّلُ قَبْلَ كِلِّ شَيْءٍ، وَالْآخِرُ بَعْدَ كِلِّ شَيْءٍ، لَهُ الْأًَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَهُ الَأسْمَاءُ الْحُسْنَى، يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ، وَيَتَكَلَّمُ، وَيَرْضَى وَيَسْخَطُ، وَيَغْضَبُ، وَيُحِبُّ، وَيَبْغَضُ، وَيَكْرَهُ، وَيَضْحَكُ، وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى، ذُو الْوَجْهِ الْكَرِيمِ، والسَّمْعِ السَّمِيعِ والْبَصَرِ الْبَصِيرِ، وَالْكَلَامِ الْمُبِينِ، وَالْيَدَينِ وَالْقَبْضَتَينِ، وَالْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ وَالْعَظَمَةِ، وَالْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ، لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ وَلَا يَزَالُ، اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهَ فَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، عِلْمُهُ بِهِمْ مُحِيطٌ، وَبَصَرُهُ فِيهِمْ نَافِذٌ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. ٣ - فَبِهَذَا الرَّبِ نُؤْمِنُ، وَإِيَّاهُ نَعْبُدُ، وَلَهُ نَصَِّلي وَنَسْجُدُ، فَمَنْ قَصَدَ بِعَِبادَتِهِ إِلَى إَلَهٍ بِخَلَافِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَإِنِّمَا يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ، وَلَيْسِ مَعْبُودُهُ بِإِلَهٍ، كُفْرَانَهُ لَا غُفْرَانَهُ، ٤ - فَنَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ، اصْطَفَاهُ لِوَحْيِهِ، وَانْتَجَبَهُ لِرَسَالَتِهِ، وَاخْتَارَهُ مِنْ خَلْقِهِ لِخَلْقِهِ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كَلَامَهَ الْمُبِينَ، وَكِتَابَهُ الْعَزِيزَ الَّذِي ﴿لَا يَأْتَيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [سورة: فصلت، آية رقم: ٤٢]، ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [سورة: الزمر، آية رقم: ٢٨]، ﴿يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ⦗١٩⦘ وَيُبَشَّرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة: الإسراء، آية رقم: ٩] . فِيهِ نبَأُ الْأَوَّلِينَ وَخَبَرُ الْآخِرِينَ، لَا تَنْقَضِي عِبَرُهُ، وَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ، غَيْرَ مَخْلُوقٍ وَلَا مَنْسُوبٍ إِلَى مَخْلُوقٍ ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [سورة: الشعراء، آية رقم: ١٩٤] مِنْ لِدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ. ٥ - وَقَالَ ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [سورة: النمل، آية رقم: ٦] وَقَالَ ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [سورة: الشعراء، آية رقم: ١٩٣]، ٦ - مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [سورة: الإسراء، آية رقم: ١٠٦]، فَقَرَأَهُ كَمَا أُمِرَ، وَدَعَا إِلَيْهِ سِرًّا وَجَهْرًا، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ آيَاتٍ مُبِينَاتٍ قَالُوا: سَاحِرٌ وَكَاهِنٌ، وَشَاعِرٌ، وَمُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلْأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [سورة: ص، آية رقم: ٦]، وَ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [سورة: المدثر، آية رقم: ٢٥]، ﴿لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [سورة: الأنفال، آية رقم: ٣١]، وَقَالُوا ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ [سورة: الفرقان، آية رقم: ٤]، ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [سورة: الفرقان، آية رقم: ٥] ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ [سورة: النحل، آية رقم: ١٠٣]، مَخْلُوقٌ بِكَلَامِ مَخْلُوقٍ مُخْتَلَقٍ. ٧ - فَكَذَّبَ اللَّهُ ﷿ قَوْلَهُمْ، وَأَبْطَلَ دَعْوَاهُمْ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَقدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا﴾ [سورة:] وَقَالَ تَعَالَى ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [سورة:] وَقَالَ تَعَالَى ⦗٢٠⦘ ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُو وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [سورة:]، وَقَالَ: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [سورة: النحل، آية رقم: ١٠٣]، ثُمَّ قَالَ: ﴿لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [سورة: الإسراء، آية رقم: ٨٨] . ٨ - ثُمَّ نَدَبَهُمْ جَمِيعًا إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ تَخَرُّصًا وَتَعَلُّمًا مِنَ الْخُطَبَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ؛ فَقَالَ ﵎: ﴿فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [سورة: هود، آية رقم: ١٣]، وَيَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقًُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [سورة: البقرة، آية رقم: ٢٣] . ٩ - فَلَمْ يَقْدِرِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَرَبُهَا وَعَجَمُهَا، مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَعُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ وَلَا بِبَعْضِ سُورَةٍ، وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا لَدَعَوْا شُهَدَاءَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَبَذَلُوا فِيهَا الرَّغَائِبَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا لِخُطَبَائِهِمْ وَشُعَرَائِهِمْ، وَأَحْبَارِهِمْ، وَأَسَاقِفَتِهِمْ، وَكَهَنَتِهِمْ وَسَحَرَتِهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهَا، تَصْدِيقًا لِمَا ادَّعَوْا مِنَ الزُّورِ تَكْذِيبًا بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَأَنَّى يَأْتِي الْمَخْلُوقُ بِمِثْلِ كَلَامِ الْخَالِقِ؟ وَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ [سورة: البقرة، آية رقم: ٢٤] فَلَنْ تَفْعَلُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَلَيْسَ كَكَلَامِهِ كَلَامٌ. ⦗٢١⦘ ١٠ - فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى كِتَابِهِ وَكَلَامِهِ سِرًّا وَجَهْرًا، مُحْتَمِلًا لِمَا نَالَهُ مِنْ أَذَاهُمْ، صَابِرًا عَلَيْهِ حَتَّى أَظْهَرَهُ اللَّهُ وَأَعَزَّهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ نَصْرَهُ، فَضَرَبَ وُجُوهَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ بِالسُّيُوفِ، حَتَّى ذَلُّوا وَدَانُوا، وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَاسْتَقَامُوا حَيَاتَهُ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، لَا يَجْتَرِئُ كَافِرٌ وَلَا مُنَافِقٌ مُتَعَوِّذٌ بِالْإِسْلَامِ أَنْ يُظْهِرَ مَا فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكُفْرِ وَإِنْكَارِ النُّبُوَّةِ، فَرَقًا مِنَ السَّيْفِ، وَتَخَوُّفًا مِنَ الِافْتِضَاحِ بَلْ كَانُوا يَتَقَلَّبُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِغَمٍّ، وَيَعِيشُونَ فِيهِمْ عَلَى رُغْمٍ، دَهْرًا مِنَ الدَّهْرِ، وَزَمَانًا مِنَ الزَّمَانِ. ١١ - وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ شَيْئًا مِنْهُ بَعْدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ: الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ بِالْبَصْرَةِ، وَجَهْمٌ بِخُرَاسَانَ، اقْتِدَاءً بِكُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَتَلَ اللَّهُ جَهْمًا شَرَّ قِتْلَةٍ، ١٢ - وَأَمَّا الْجَعْدُ فَأَخَذَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ فَذَبَحَهُ ذَبْحًا بِوَاسِطَ، فِي يَوْمِ الْأَضْحَى عَلَى رُؤُوسِ مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَعِيبُهُ بِهِ عَائِبٌ وَلَا يَطْعَنُ عَلَيْهِ طَاعِنٌ بَلِ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ، وَصَوَّبُوهُ مِنْ رَأْيِهِ.

Unknown page

مُقَدِّمَةٌ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، يَعْلَمُ سَرَّ خَلْقِهِ وَجَهْرَهُمُ، وَيَعْلَمُ مَا يَكْسِبُونَ، نَحْمَدُهُ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ، وَنَصِفُهُ بْمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَوَصَفَهُ بِهِ الرَّسُولُ، فَهُوَ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، قَرِيبٌ، مُجِيبٌ، مُتَكَلِّمٌ قَائِلٌ، وشَاءٍ مُرِيدٌ، فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، الْأَوَّلُ قَبْلَ كِلِّ شَيْءٍ، الْآخِرُ بَعْدَ كِلِّ شَيْءٍ، لَهُ الْأًَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَهُ الَأسْمَاءُ الْحُسْنَى، يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ، وَيَتَكَلَّمُ، وَيَرْضَى وَيَسْخَطُ، وَيَغْضَبُ، وَيُحِبُّ، وَيَبْغَضُ، وَيَكْرَهُ، وَيَضْحَكُ، وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى، ذُو الْوَجْهِ الْكَرِيمِ، والسَّمْعِ السَّمِيعِ والْبَصَرِ الْبَصِيرِ، وَالْكَلَامِ الْمُبِينِ، وَالْيَدَينِ وَالْقَبْضَتَينِ، وَالْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ وَالْعَظَمَةِ، وَالْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ، لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ وَلَا يَزَالُ، اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهَ فَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، عِلْمُهُ بِهِمْ مُحِيطٌ، وَبَصَرُهُ فِيهِمْ نَافِذٌ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. فَبِهَذَا الرَّبِ نُؤْمِنُ، وَإِيَّاهُ نَعْبُدُ، وَلَهُ نَصَِّلي وَنَسْجُدُ، فَمَنْ قَصَدَ بِعَِبادَتِهِ إِلَى إَلَهٍ بِخَلَافِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَإِنِّمَا يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ، لَيْسِ مَعْبُودُهُ بِإِلَهٍ، كُفْرَانَهُ لَا غُفْرَانَهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ، اصْطَفَاهُ لِوَحْيِهِ، وَانْتَجَبَهُ لِرَسَالَتِهِ، وَاخْتَارَهُ مِنْ خَلْقِهِ لِخَلْقِهِ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كَلَامَهَ الْمُبِينَ، وَكِتَابَهُ الْعَزِيزَ الَّذِي ﴿لَا يَأْتَيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَامِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [الزمر: ٢٨]، ﴿يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشَّرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء: ٩] . فِيهِ نبَأُ الْأَوَّلِينَ وَخَبَرُ الْآخِرِينَ، لَا تَنْقَضِي عِبَرُهُ، وَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ، غَيْرَ مَخْلُوقٍ وَلَا مَنْسُوبٍ إِلَى مَخْلُوقٍ ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [الشعراء: ١٩٤] مِنْ لِدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ. وَقَالَ ﴿إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النمل: ٦] وَقَالَ ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٣]، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ ﷺ ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾ [الإسراء: ١٠٦]، فَقَرَأَهُ كَمَا أُمِرَ، وَدَعَا إِلَيْهِ سِرًّا وَجَهْرًا، فَلَمَّا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ آيَاتٍ مُبِينَاتٍ قَالُوا: سَاحِرٌ وَكَاهِنٌ، وَشَاعِرٌ، وَمُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلْأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٦]، وَ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٥]، ﴿لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنفال: ٣١]، وَقَالُوا ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ [الفرقان: ٤]، ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفرقان: ٥] ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، مَخْلُوقٌ بِكَلَامِ مَخْلُوقٍ مُخْتَلَقٍ. فَكَذَّبَ اللَّهُ ﷿ قَوْلَهُمْ، وَأَبْطَلَ دَعْوَاهُمْ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَقدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُو وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾، وَقَالَ: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، ثُمَّ قَالَ: ﴿لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: ٨٨] . ثُمَّ نَدَبَهُمْ جَمِيعًا إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ تَخَرُّصًا وَتَعَلُّمًا مِنَ الْخُطَبَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ؛ فَقَالَ ﵎: ﴿فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [هود: ١٣]، وَيَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقًُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] . فَلَمْ يَقْدِرِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَرَبُهَا وَعَجَمُهَا، مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَعُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ وَلَا بِبَعْضِ سُورَةٍ، وَلَوْ عَلِمُوا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا لَدَعَوْا شُهَدَاءَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَبَذَلُوا فِيهَا الرَّغَائِبَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا لِخُطَبَائِهِمْ وَشُعَرَائِهِمْ، وَأَحْبَارِهِمْ، وَأَسَاقِفَتِهِمْ، وَكَهَنَتِهِمْ وَسَحَرَتِهِمْ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهَا، وَتَصْدِيقًا لِمَا ادَّعَوْا مِنَ الزُّورِ تَكْذِيبًا بِمُحَمَّدٍ ﷺ، وَأَنَّى يَأْتِي الْمَخْلُوقُ بِمِثْلِ كَلَامِ الْخَالِقِ؟، وَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ؟، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ [البقرة: ٢٤] فَلَنْ تَفْعَلُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَلَيْسَ كَكَلَامِهِ كَلَامٌ. فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى كِتَابِهِ وَكَلَامِهِ سِرًّا وَجَهْرًا، مُحْتَمِلًا لِمَا نَالَهُ مِنْ أَذَاهُمْ، صَابِرًا عَلَيْهِ حَتَّى أَظْهَرَهُ اللَّهُ وَأَعَزَّهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ نَصْرَهُ، فَضَرَبَ وُجُوهَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ بِالسُّيُوفِ، حَتَّى ذَلُّوا وَدَانُوا، وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَاسْتَقَامُوا حَيَاتَهُ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، لَا يَجْتَرِئُ كَافِرٌ وَلَا مُنَافِقٌ مُتَعَوِّذٌ بِالْإِسْلَامِ أَنْ يُظْهِرَ مَا فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكُفْرِ وَإِنْكَارِ النُّبُوَّةِ، فَرَقًا مِنَ السَّيْفِ، وَتَخَوُّفًا مِنَ الِافْتِضَاحِ بَلْ كَانُوا يَتَقَلَّبُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِغَمٍّ، وَيَعِيشُونَ فِيهِمْ عَلَى رُغْمٍ، دَهْرًا مِنَ الدَّهْرِ، وَزَمَانًا مِنَ الزَّمَانِ. وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ شَيْئًا مِنْ بَعْدِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ: الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ بِالْبَصْرَةِ، وَجَهْمٌ بِخُرَاسَانَ، اقْتِدَاءً بِكُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَتَلَ اللَّهُ جَهْمًا شَرَّ قِتْلَةٍ، وَأَمَّا الْجَعْدُ فَأَخَذَهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ فَذَبَحَهُ ذَبْحًا بِوَاسِطَ، فِي يَوْمِ الْأَضْحَى عَلَى رُؤُوسِ مَنْ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَعِيبُهُ بِهِ عَائِبٌ وَلَا يَطْعَنُ عَلَيْهِ طَاعِنٌ بَلِ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ، وَصَوَّبُوهُ مِنْ رَأْيِهِ.
١٣ - حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: خَطَبَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ بِوَاسِطَ يَوْمَ الْأَضْحَى، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ ارْجِعُوا فَضَحُّوا، تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ؛ فَإِنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى ⦗٢٢⦘ تَكْلِيمًا، وَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ عُلُوًّا كَبِيرًا. ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ» ١٤ - قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَقْمُوعِينَ، أَذِلَّةً مَدْحُورِينَ، حَتَّى كَانَ الْآنَ بِآخِرِهِ، حَيْثُ قَلَّتِ الْفُقَهَاءُ، وَقُبِضَ الْعُلَمَاءُ، وَدَعَا إِلَى الْبِدَعِ دُعَاةُ الضَّلَالِ، فَشَدَّ ذَلِكَ طَمَعَ كُلِّ مُتَعَوِّذٍ فِي الْإِسْلَامِ، مِنْ أَبْنَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَنْبَاطِ الْعِرَاقِ، وَوَجَدُوا فُرْصَةً لِلْكَلَامِ، فَجُدُّوا فِي هَدْمِ الْإِسْلَامِ، وَتَعْطِيلِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَإِنْكَارِ صِفَاتِهِ، وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ، وَإِبْطَالِ وَحْيِهِ إِذْ وَجَدُوا فُرْصَتَهُمْ، وَأَحَسُّوا مِنَ الرِّعَاعِ جَهْلًا، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ قِلَّةً، فَنَصَبُوا عِنْدَهَا الْكُفْرَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يْدَعُونَهُمْ إِلَيْهِ، وَأَظْهَرُوا لَهُمْ أُغْلُوطَاتٍ مِنَ الْمَسَائِلِ، وَعَمَايَاتٍ مِنَ الْكَلَامِ، يُغَالِطُونَ بِهَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، لِيُوقِعُوا فِي قُلُوبِهِمُ الشَّكَّ، وَيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ أَمْرَهُمْ، وَيُشَكِّكُوهُمْ فِي خَالِقِهِمْ، مُقْتَدِينَ بِأَئِمَّتِهِمُ الْأَقْدَمِينَ، الَّذِينَ قَالُوا: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٥] وَ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ﴾ [ص: ٧] ⦗٢٣⦘. ١٥ - فَحِينَ رَأَيْنَا ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَفَطَنَّا لِمَذْهَبِهِمْ، وَمَا يَقْصِدُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَإِبْطَالِ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، وَنَفْيِ الْكَلَامِ وَالْعِلْمِ وَالْأَمْرِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، رَأَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ رُسُومًا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ، مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ أَهْلُ الْغَفْلَةِ مِنَ النَّاسِ عَلَى سُوءِ مَذْهَبِهِمْ، فَيَحْذَرُوهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَيَجْتَهِدُوا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، مُحْتَسِبِينَ مُنَافِحِينَ عَنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، طَالِبِينَ بِهِ مَا عِنْدَ اللَّهِ. ١٦ - وَقَدْ كَانَ مَنْ مَضَى مِنَ السَّلَفِ يَكْرَهُونَ الْخَوْضَ فِي هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ، وَقَدْ كَانُوا رُزِقُوا الْعَافِيَةَ مِنْهُمْ، وَابْتُلِينَا بِهِمْ عِنْدَ دُرُوسِ الْإِسْلَامِ، وَذَهَابِ الْعُلَمَاءِ، فَلَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ نَرُدَّ مَا أَتَوْا بِهِ مِنَ الْبَاطِلِ بِالْحَقِّ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَخَوَّفُ مَا أَشْبَهَ هَذَا عَلَى أُمَّتِهِ، وَيُحَذِّرُهَا إِيَّاهُمْ، ثُمَّ الصَّحَابَةُ بَعْدَهُ وَالتَّابِعُونَ، مَخَافَةَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِي اللَّهِ وَفِي الْقُرْآنِ بِأَهْوَائِهِمْ فَيَضِلُّوا، وَيَتَمَارَوْا بِهِ عَلَى جَهْلٍ فَيَكْفُرُوا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ قَالَ: «الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ» وَحَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ كَانُوا يَتَّقُونَ تَفْسِيرَهُ، لِأَنَّ الْقَائِلَ فِيهِ إِنَّمَا يَقُولُ عَلَى اللَّهِ. ١٧ - قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵁: «أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي ⦗٢٤⦘، وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي كَلَامِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ» ١٨ - وَسُئِلَ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيَّ عَنْ شَيْءٍ، مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَعَلَيْكَ بِالسَّدَادِ، فَقَدْ ذَهَبَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ فِيمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ ١٩ - فَهَذَا الصِّدِّيقُ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا، وَالْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ، قَدْ شَهِدَ التَّنْزِيلَ، وَعَايَنَ الرَّسُولَ، وَعَلِمَ فِيمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، وَيَتَوَقَّى أَنْ يَقُولَ فِي الْقُرْآنِ، مَخَافَةَ أَنْ لَا يُصِيبَ مَا عَنَى اللَّهُ فَيَهْلِكَ، ثُمَّ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيُّ بَعْدَهُ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، فَكَيْفَ ⦗٢٥⦘ بِهَؤُلَاءِ الْمُنْسَلِخِينَ مِنَ الدِّينِ وَالْعِلْمِ، الَّذِينَ يَنْقُضُونَهُ نَقْضًا، وَيُفَسِّرُونَهُ بِأَهْوَائِهِمْ خِلَافَ مَا عَنَى اللَّهُ، وَخِلَافَ مَا تَحْتَمِلُهُ لُغَاتُ الْعَرَبِ. ٢٠ - وَلَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا تَهْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ حَتَّى تَظْهَرَ فِيهِمُ الزَّنْدَقَةُ، وَيَتَكَلَّمُوا فِي الرَّبِّ ﵎

1 / 21

٢١ - حَدَّثَنَاهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْبَارِيُّ، ثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، قَالَ: " مَا هَلَكَ دِينٌ قَطُّ حَتَّى تُخَلَّفَ الْمَنَانِيَّةُ، قُلْتُ: وَمَا الْمَنَانِيَّةُ؟ قَالَ: الزَّنَادِقَةُ "
٢٢ - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ، أَنْبَأَ سُفْيَانُ يَعْنِي الثَّوْرِيَّ، عَنْ سَالِمٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، ﵁ قَالَ: «لَا تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى تَكُونَ خُصُومَتُهُمْ فِي ربِّهِمْ»
٢٣ - وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، ثنا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَأَحْسِبُهُ عَنْ أَبِي يَعْلَى مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: «إِنَّمَا تَهْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ إِذَا تَكَلَّمَتْ فِي رَبِّهَا»

1 / 25

٢٤ - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: «لَأَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّةِ»
٢٥ - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " لَا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَ حَتَّى يُقَالَ لِأَحَدِكُمْ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ﵎؟ ". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَإِنِّي لَجَالِسٌ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهُ ﵎؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَوَضَعْتُ أُصْبُعَيَّ فِي أُذُنِي، وَصَرَخْتُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ: ﴿لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]

1 / 26

٢٦ - وَحَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ الْمِصْرِيُّ، ثنا اللَّيْثُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " يَأْتِي الشَّيْطَانُ الْعَبْدَ فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ "

1 / 27