[مقدمة المؤلف]

| [مقدمة المؤلف]

|| [مقدمة المؤلف]

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين الحمد لله المقدس (1) بوجوب وجوده عن الأشباه والنظائر والأحزاب، المنزه (2) بقدرته عن الأصحاب والأمثال والأتراب، الذي عجز عن إدراك كماله بصائر أولي الألباب، وحسرات عن الإحاطة لكنه ذاته أبصار أولي النهى والصواب، رب الأرباب، ومسبب الأسباب، ومجيب سؤال الطلاب، الحكيم، الكريم، الوهاب، الغفور، الودود، التواب، المتفضل، المتعطف، الأواب، منه المبدأ وإليه المآب.

الذي وعد الثواب، رافع منازل العلماء على غيرهم بغير شك ولا ارتياب، ومفضلهم على من عداهم بنص الكتاب، جاعل قلوبهم أوعية لما يرد عنه من الخطاب، ومرجح مدادهم على دماء الشهداء في ميزان الحساب.

وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى، المبعوث من أشرف الأنساب، وعلى آله الطاهرين الأنجاب البررة الأخيار الأطياب، صلاة تتعاقب عليهم تعاقب الأعوام (3) والأحقاب.

أما بعد: فإن الله تعالى شرف نوع الإنسان على غيره من المخلوقات،

Page 61

وفضله على جميع أصناف الموجودات وأجناس الممكنات، وأوجب عليه امتثال أوامره واجتناب معاصيه، وحظر عليه ارتكاب زواجره ونواهيه، بدلائل من عنده على لسان نبيه وعبده، تفتقر إلى النظر والاعتبار، وتحتاج إلى استعمال قوى الأذهان والأفكار.

وأوجب على العلماء الذين هم ورثة الأنبياء إيضاح تلك الدلائل المشكلة وكشف المعاني المعضلة، لتتم فوائدها وتحصل مقاصدها.

ولما كان أصول الفقه هو الباحث عن تلك الفوائد، والمحصل لغرر تلك الفرائد، وجب صرف العناية إلى البحث عن مطالبه، وإيضاح الحق في مآربه.

وقد صنفنا كتبا متعددة من المختصرات والمطولات، الجامعة لجميع النكات، وسأل الولد العزيز «محمد» أسعده الله تعالى في الدارين وأيده بتحصيل الرئاستين، وتكميل القوتين، وجعلني الله فداه من جميع ما يخشاه، وحباه بكل ما يرجوه ويتمناه إنشاء (1) كتاب جامع لما ذكره المتقدمون حاو لما حصله المتأخرون، مع زيادة نفيسة (2) لم يسبقنا إليها الأولون.

فصرفنا الهمة إلى وضع هذا الكتاب الموسوم ب «نهاية الوصول إلى علم الأصول» مشتملا على ما طلبه وأراده، نفعه الله تعالى بما فيه، وزاده بمنه وكرمه.

وقد رتبناه على مقاصد معتمدين على واجب الوجود، إنه (3) خير موفق ومعين.

Page 62

المقصد الأول: في المقدمات

| المقصد الأول: في المقدمات

|| المقصد الأول: في المقدمات

وفيه فصول:

[الفصل] الأول في ماهية هذا العلم

| [الفصل] الأول في ماهية هذا العلم

|| [الفصل] الأول في ماهية هذا العلم

يجب على كل طالب أمر أن يكون متصورا له إما إجمالا أو تفصيلا، وفائدة مطلوبه ليخرج عن العبث، ولما كان أصول الفقه مركبا، ومعرفة المركب مسبوقة بمعرفة الأجزاء لا من كل وجه بل من الوجه الذي لأجله وقع فيه التركيب، وجب معرفة هذين المفردين (1) أولا.

لا يقال: إن أردت معرفة المركب بالحقيقية افتقر إلى معرفة الأجزاء كذلك، ولم يكف من حيث التركيب، وإن أردت معرفته باعتبار ما، لم يستلزم معرفة الأجزاء من حيث التركيب.

لأنا نقول: المراد معرفة المركب من حيث التركيب.

فالأصل ما يستند إليه، والمراد هنا الأدلة، لاستناد الفقه إليها.

Page 63

والفقه لغة الفهم وهو العلم.

قيل (1) بالمغايرة، فإن الفهم جودة الذهن من حيث استعداده لاكتساب المطالب وإن كان المتصف به جاهلا، كالعامي الفطن.

واصطلاحا العلم بالأحكام الشرعية العملية المستدل على أعيانها، بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة.

فالعلم جنس، وسيأتي تحقيقه، وخرج بقولنا «الأحكام» الذوات والصفات الحقيقية، وبقولنا «الشرعية» الأحكام العقلية، كالتماثل والاختلاف، والحسن والقبح، وبقولنا «العملية» كون الإجماع أو خبر الواحد أو الاستصحاب حجة، فإنها أحكام شرعية لكنها لا تتعلق بعمل، و«بالمستدل على أعيانها» علم المقلد بكثير من الأحكام، حيث علم أن المفتي أفتاه وأن ما أفتاه به فهو حكم الله تعالى في حقه، مع أن علومه ليست فقها، حيث لم يكن مستدلا على أعيانها، و[خرج] علم واجب الوجود تعالى، وعلم النبي (صلى الله عليه وآله) بها والملائكة (عليهم السلام)، وبقولنا «بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة» العلم بأصول العبادات، كالعلم بوجوب الصلاة والزكاة والصوم، فإنها لا تسمى فقها، لأنها معلومة من الدين ضرورة.

وقيل: هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال. (2)

لا يقال: الفقه من باب الظنون فكيف جعلتم جنسه العلم، ولأن المراد

Page 64

إن كان جميع الأحكام لم ينعكس، فإن أكثر الفقهاء لا يحيطون بجميع الأحكام، وقد سئل «مالك» (1) عن أربعين مسألة فقال في ستة وثلاثين منها: لا أدري (2).

وإن كان البعض لم يطرد، فإن المقلد يعرف بعض الأحكام وليس بفقيه.

لأنا نجيب عن الأول بأن المجتهد إذا غلب على ظنه ثبوت الحكم بدليل ظني كخبر الواحد وشبهه قطع بوجوب العمل بظنه، فالحكم معلوم والظن وقع في طريقه.

لا يقال: إذا كانت إحدى مقدمات الدليل ظنية كان ظنيا.

لأنا نقول: هنا مقدمتان قطعيتان إحداهما أن الحكم مظنون، وهي وجدانية، والثانية وجوب العلم بالظن، وهي إجماعية، فيحصل القطع بالحكم.

وعن الثاني أن المراد الجميع، وينعكس، إذ المراد العلم بالفعل بأكثر الأحكام بحيث يقدر على استخراج ما يرد عليه مما ليس حاضرا عنده إما بالقوة أو الفعل، ويطرد، فإن المقلد لا يعلم عن استدلال تفصيلي على ما علمه.

واحترز بعضهم (3) في الحد فقال: العلم بجملة غالبة من الأحكام.

وهو خطأ، لعدم الضبط.

Page 65