مسند السراج للإمام شيخ الإسلام محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج الثقفي النيسابوري المتوفى ٣١٣ هـ حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه الأستاذ إرشاد الحق الأثري الناشر إدارة العلوم الأثرية فيصل آباد - باكستان

1 / 1

كلمة الْمُحَقق إِن الْحَمد لله نحمده، ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا، وَمن سيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله. يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ. يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا وَبث مِنْهُمَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبًا. يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدًا يصلح لكم أَعمالكُم وَيغْفر لكم ذنوبكم وَمن يطع الله وَرَسُوله فقد فَازَ فوزًا عَظِيما، وَبعد: لَا خلاف بَين أَئِمَّة الْمُسلمين فِي أَن القرنين، الثَّالِث وَالرَّابِع من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة يعتبران الْعَصْر الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخ الْإِسْلَام، إِذْ فِيهِ دونت عُلُوم الْقُرْآن الْكَرِيم، وَدون الحَدِيث النَّبَوِيّ الشريف، وَالْفِقْه الإسلامي ونشطت فِيهِ حَرَكَة الْعُلُوم الإسلامية. وَفِي هَذَا الْعَصْر الذَّهَبِيّ نَشأ أَعْلَام الْمُحدثين أَبُو الْعَبَّاس السراج مُحدث خُرَاسَان ﵀. اسْمه ومولده وَهُوَ الإِمَام الْحَافِظ شيخ الْإِسْلَام أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن مهْرَان بن عبد الله بن الْعَبَّاس السراج الثَّقَفِيّ مَوْلَاهُم النَّيْسَابُورِي، ولد سنة سِتّ عشرَة

1 / 3

وَمِائَتَيْنِ كَمَا ذكره الذَّهَبِيّ وَغَيره. وَقَالَ الْخَطِيب: قَرَأت فِي كتاب أبي الْحسن الدَّارقطني بخطة أخبرنَا إِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد بن يحيى قَالَ: قَالَ أَبُو الْعَبَّاس السراج: ولدت فِي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ. والسراج بِفَتْح السِّين وَتَشْديد الرَّاء وَبعد الْألف جِيم، هَذِه النِّسْبَة إِلَى عمل السُّرُوج وَهُوَ الَّذِي يُوضح على الْفرس، واشتهر بِهَذِهِ النِّسْبَة جمَاعَة، قَالَ السَّمْعَانِيّ: كَانَ من أجداد الإِمَام أبي الْعَبَّاس من يعْمل السُّرُوج. شُيُوخه وتلامذته سمع من إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ وقتيبة بن سعيد وَمُحَمّد بن بكار وَبشر بن الْوَلِيد الْكِنْدِيّ وهناد بن السّري وَأحمد بن سعيد الدِّرَامِي وَعقبَة بن مكرم وسوار بن عبد الله وَأحمد بن منيع وَأحمد بن الْمِقْدَام وَعَمْرو بن زُرَارَة وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وَأبي حَاتِم الرَّازِيّ وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي وَمُحَمّد بن سهل بن عَسْكَر وَمُحَمّد بن رَافع وَالْحسن بن عبد الْعَزِيز الجروي وسوار بن عبد الله الْعَنْبَري وأخيه إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق وَخلق كثير سواهُم من أهل خُرَاسَان وبغداد والكوفة وَالْبَصْرَة والحجاز والري، وَقَالَ الخليلي: أَنه كتب عَن ألف وَخمْس مائَة وَزِيَادَة. وَحدث عَنهُ الإِمَام البُخَارِيّ وَمُسلم بِشَيْء يسير خَارج الصَّحِيحَيْنِ، وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ أحد شُيُوخه، وَأَبُو بكر بن أبي الدُّنْيَا، والحافظ أَبُو عَليّ النَّيْسَابُورِي وَالْحسن بن سُفْيَان وَعُثْمَان بن السماك وَأَبُو حَاتِم ابْن حبَان وَابْن خُزَيْمَة وَابْن عدي وَأَبُو أَحْمد الْحَاكِم وَالْقَاضِي يُوسُف بن قَاسم الميانجي وَعبد الله بن أَحْمد الصَّيْرَفِي وَعمر بن زارة الْكلابِي وَخلق سواهُم وأخرهم موتا سنة خمس وَتِسْعين وَثَلَاث مئة الشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن أَحْمد بن مُحَمَّد الْخفاف الْقَنْطَرِي رَاوِي بعض مُسْنده عَنهُ. ثَنَاء الْأَئِمَّة عَلَيْهِ وأخلاقه وفضائله اتّفق الْحَافِظ وَالْأَئِمَّة على توثيقه، قَالَ الْخَطِيب: ورد السراج بِبَغْدَاد قَدِيما

1 / 4

وحديثًا وَأقَام بهَا دهرًا طَويلا ثمَّ رَجَعَ إِلَى نيسابور وَاسْتقر بهَا إِلَى حِين وَفَاته، وَكَانَ قد حدث بِبَغْدَاد شَيْئا يَسِيرا، وَكَانَ من المكثرين الثِّقَات الصَّادِقين الاثبات عَنى بِالْحَدِيثِ وصنف كتبا كَثِيرَة وَهِي مَعْرُوفَة مَشْهُورَة، وَذكر الْخَطِيب فِي تَارِيخه (ج١٠ ص١١٣) أَنه دخل بِبَغْدَاد سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ الخليلي فِي الْإِرْشَاد: ثِقَة مُتَّفق عَلَيْهِ من شَرط الصَّحِيح. وَقَالَ أَبُو سهل الصعلوكي الأوحد فِي فنه والأكمل فِي وَزنه قَالَ: وَكُنَّا نقُول: السراج كالسراج. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: كَانَ من المكثرين الثِّقَات، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: السراج صَدُوق ثِقَة، وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْمُزَكي: كَانَ السراج مجاب الدعْوَة. وَكَانَ ﵀ أمارا بِالْمَعْرُوفِ ونهاء عَن الْمُنكر، قَالَ إِسْمَاعِيل بن نجيد: رَأَيْت أَبَا الْعَبَّاس السراج يَرك حِمَاره وعباس الْمُسْتَمْلِي بَين يَدَيْهِ يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر يَقُول: يَا عَبَّاس غير كَذَا واكسر كَذَا، وَقَالَ أَبُو عمر والخفاف للْإِمَام السراج: لَو دخلت على الْأَمِير ونصحته، قَالَ: فجَاء وَعِنْده أَبُو عَمْرو، فَقَالَ أَبُو عَمْرو: هَذَا شَيخنَا وأكبرنا، وَقد حضر ينْتَفع الْأَمِير بِكَلَامِهِ فَقَالَ السراج: أَيهَا الْأَمِير! إِن الْإِقَامَة كَانَت فرادي وَهِي كَذَلِك بالحرمين، وَهِي فِي جامعنا مثنى مثنى، وَإِن الدَّين خرج من الْحَرَمَيْنِ، قَالَ فَخَجِلَ الْأَمِير وَأَبُو عَمْرو وَالْجَمَاعَة، إِذا كَانُوا قصدُوا فِي أَمر الْبِلَاد، فَلَمَّا خرج، عاتبوه، فَقَالَ: استحييت من الله أَن اسْأَل أَمر الدُّنْيَا، وأدع أَمر الدَّين. وَكَانَ ﵀ شَدِيدا على أهل الْبدع والهواء وَكَانَ لَا يحدث أَوْلَاد الْكلابِيَّة، قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت أَبَا سعيد بن أبي بكر يَقُول: لما وَقع من أَمر الْكلابِيَّة مَا وَقع بنيسابور كَانَ السراج يمْتَحن أَوْلَاد النَّاس، فَلَا يحدث أَوْلَاد الْكلابِيَّة، فأقامني

1 / 5

فِي الْمجْلس مرّة فَقَالَ: قل: أَنا أَبْرَأ إِلَى الله تَعَالَى من الْكلابِيَّة، فَقلت: إِن قلت هَذَا لَا يطعمي أبي الْخبز، فَضَحِك، وَقَالَ: دعوا هَذَا. وَقَالَ الإِمَام أَبُو عبد الله الْحَاكِم: سَمِعت أبي يَقُول: لما ورد الزغفراني وَأظْهر خلق الْقُرْآن سَمِعت السراج يَقُول: العنوان الزغفراني - فيضج النَّاس بلعنته، فنزح إِلَى بخاري، وَكَانَ ﵀ يَقُول: من لم يقر بِأَن الله تَعَالَى يعجب ويضحك وَينزل كل لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَيَقُول: "من يسألني فَأعْطِيه" فَهُوَ زنديق كَافِر يُسْتَتَاب، فَإِن تَابَ وَإِلَّا ضربت عُنُقه، وَلَا يصلى عَلَيْهِ، وَلَا يدْفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين. قَالَ الذَّهَبِيّ: وَقد كَانَ السراج ذَا ثروة وتجارة وبر ومعروف، وَله تعبد وتهجد إِلَّا أَنه كَانَ منافرًا للفقهاء أَصْحَاب الرَّأْي وَالله يغْفر لَهُ، قلت: سَبَب المنافرة بَينه وَبَين أهل الراي ظَاهر لِأَن أَكثر أهل الراي قد اصبحوا فِي هَذَا الْعَصْر معاونين لأهل الْبِدْعَة بل اخْتَار بَعضهم الْبِدْعَة مثل الْمُعْتَزلَة والجهمية والمرجئة وَغَيرهم. وَكَانَ الإِمَام السراج ذَا ثروة وتجارة كَمَا قَالَ الذَّهَبِيّ، وَقد قَالَ نَفسه، حِين سَالَ عَنهُ الْخفاف يَا أَبَا الْعَبَّاس من أَيْن جمعت هَذَا المَال؟ فَقَالَ بغيبة دهر أَنا وأخواي إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، غَابَ أخي إِبْرَاهِيم أَرْبَعِينَ سنة وَغَابَ أخي أَرْبَعِينَ سنة، وغبت أَنا مُقيما بِبَغْدَاد أَرْبَعِينَ سنة أكلنَا الجشب، ولبسنا الخشن، فَاجْتمع هَذَا المَال. وجدير بِالذكر أَن الإِمَام الذَّهَبِيّ ذكر عَن الإِمَام السراج أَنه قَالَ: ولدت سنة ثَمَانِي عشرَة وَمِائَتَيْنِ وختمت عَن رَسُول الله ﷺ اثْنَتَيْ عشر ألف ختمة وضحيت عَنهُ أثني عشر ألف أضْحِية، قلت لم يرد بِهِ الْأُضْحِية فِي أَيَّام التَّشْرِيق كَمَا زَعمه الذَّهَبِيّ وَغَيره بل المُرَاد بِهِ الصَّدَقَة الْعَامَّة وَقد ذكر الذَّهَبِيّ نَفسه عَن مُحَمَّد بن أَحْمد الدقاق أَنه قَالَ: رَأَيْت السراج يُضحي كل أُسْبُوع أَو أسبوعين أضْحِية عَن رَسُول الله ﷺ ثمَّ يَصِيح بأصحاب الحَدِيث فَيَأْكُلُونَ، وَبِهَذَا يظْهر كَظهر الشَّمْس نصف النَّهَار أَنه لم يرد بِهِ الْأُضْحِية الْمَعْرُوفَة، على أَن الإِمَام السراج قد توفى سنة ثَلَاث عشرَة وثلاثمائة وَله ٩٦ سنة فَكيف يُمكن أَن يُضحي عَنهُ صلى الله

1 / 6