كتاب الصلاة وفيه أبواب:

Page 3

بسم الله الرحمن الرحيم الباب الأول في المقدمات وفيه فصول:

الأول في الأوقات مسألة: لكل صلاة وقتان: أول وآخر، قال الشيخان (1) وابن أبي عقيل (2)، وأبو الصلاح (3)، وابن البراج: الأول وقت المختار، والآخر وقت المعذور (4).

وقال ابن إدريس (5)، وابن الجنيد (6): الأول وقت الفضيلة والثاني (7) وقت الإجزاء، وهو الحق.

لنا: قوله تعالى: " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل " (8) وليس المراد بذلك الأمر بالإتيان بالصلاة في جميع أجزاء هذا الزمان على سبيل الجمع إجماعا فتعين التخيير، وما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن وقت الظهر والعصر، فقال: إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعا إلا أن هذه قبل هذه، ثم أنت في وقت منهما

Page 4

جميعا حتى تغيب الشمس (1).

ولأن ضبط الوقت بالعسر والعذر يكون باطلا، لأن العذر غير مضبوط ولا منحصر فلا يناط به التكليف.

لا يقال: هذا وارد في الفضيلة.

لأنا نقول: الضابط في الفضيلة لا يجب انحصاره فيما لا يقبل الزيادة والنقصان استسهالا بحالها (2)، فإن تركها لا يوجب عقابا ولا ذما بخلاف الإجزاء.

احتج الشيخ - رحمه الله - بما رواه يونس بن عبد الرحمن في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: لكل صلاة وقتان، وأول الوقت أفضله، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا في علة من غير عذر (3).

والجواب: نحن نقول بموجب الحديث: فإنا قد بينا أن لكل صلاة وقتين، لكن الأول وقت الفضيلة، وحديثكم يدل على ما قلناه لقوله - عليه السلام -:

" وأول الوقت أفضله " فإن أفعل (4) يقتضي المشاركة في المعنى.

لا يقال: قوله - عليه السلام - " وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا في علة من غير عذر " يقتضي المنع من جعل آخر الوقت وقتا لغير عذر.

لأنا نقول: لا نسلم أنه يدل على المنع، بل على نفي الجواز الذي لا كراهية

Page 5

فيه جمعا بين الأدلة.

مسألة: المشهور أن المغرب كذلك، وقال ابن البراج: وفي أصحابنا من ذهب إلى أنه لا وقت له إلا واحد وهو غروب القرص في أفق المغرب (1).

لنا: ما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح، عن الصادق - عليه السلام - قال: لكل صلاة وقتان (2)، ولأنها إحدى الخمس فكانت ذات وقتين كغيرها.

احتج المخالف بما رواه زيد الشحام في الصحيح قال: سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن وقت المغرب، فقال: إن جبرئيل - عليه السلام - أتى النبي - صلى الله عليه وآله - لكل صلاة بوقتين غير صلاة المغرب فإن وقتها واحد ووقتها وجوبها (3).

والجواب: المراد بذلك: المبالغة في فضيلة (4) الإسراع بها.

مسألة: لا خلاف في أن زوال الشمس أول وقت الظهر، وإنما الخلاف في أنه من حين الزوال يشترك (5) الوقت بينها وبين العصر، أو يختص الظهر من أول الزوال بمقدار أداء أربع ركعات للحاضر وركعتين للمسافر. فالأول اختيار أبي جعفر بن بابويه (6) وباقي علمائنا على الثاني، وهو الحق عندي.

وقال السيد المرتضى - رحمه الله - في جواب المسائل الناصرية: الذي نذهب

Page 6

إليه أنه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر بلا خلاف ثم يختص (1) أصحابنا بأنهم يقولون: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معا إلا أن الظهر قبل العصر، قال: وتحقيق هذا الموضع أنه إذا زالت (2) فقد دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدي أربع ركعات، فإذا خرج هذا المقدار من الوقت اشترك الوقتان، ومعنى ذلك أنه يصح أن يؤدي في هذا الوقت المشترك الظهر والعصر بطوله على أن الظهر متقدمة (3) للعصر، ثم لا يزال في وقت منهما إلى أن يبقى إلى غروب الشمس مقدار أداء أربع ركعات فيخرج وقت الظهر ويخلص هذا المقدار للعصر كما خلص الوقت الأول للظهر (4). وعلى هذا التفسير الذي ذكره السيد يزول الخلاف.

لنا: إن القول باشتراك الوقت حين الزوال بين الصلاتين مستلزم للمحال فيكون محالا والملازمة ظاهرة، وبيان صدق المقدمة الأولى: أنه مستلزم لأحد المحالين، إما تكليف ما لا يطاق، أو خرق الإجماع، واللازم بقسميه باطل اتفاقا فالملزوم مثله.

بيان استلزامه لأحدهما: أن التكليف حين الزوال إما أن يقع بالعبادتين معا، أو بإحداهما، إما لا بعينها (5) أو بواحدة معينة:

والأول: يستلزم تكليف ما لا يطاق إذ لا يتمكن المكلف من إيقاع فعلين متضادين في وقت واحد.

والثاني: يستلزم خرق الإجماع إذ لا خلاف بأن الظهر مرادة بعينها حين

Page 7