CHECK [فى أسرار كلمة لاإله ألا الله]

| CHECK [فى أسرار كلمة لاإله ألا الله]
AUTO الفصل الأول

فى أسرار كلمة لا إله إلا الله

قال الله سبحانه وتعالى لرسوله (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم)

اعلم أن الله تعالى قدم الأمر بمعرفة التوحيدعلى الأمر بالاستغفار، والسبب فيه : أن معرفة التوحيد إشاره إلى علم الأصول ، والإشتغال بالاستغفار

إشارة إلى علم الفروع ، والأصل يجب تقديمه على الفرع ، فإنه ما لم يعلم وجود الصانع امتنع القيام بطاعتة وخدمته.

وهذه الدقيقه معتبرة فى آيات كثيره :

أولها :

أن إبراهيم عليه السلام لما اشتغل بالدعاء قدم المعرفه على الطاعة فقال : (رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين) فقوله : (هب لي حكما )إشارة إلى استكمال القوه النظريه بمعرفة حقائق الأشياء ، وقوله : (وألحقني بالصالحين) إشارة إلى استكمال القوة العلمية بالإجتناب عن طرفى الإفراط والتفريط. فقدم العلم على العمل.

وثانيها : أنه تعالى لما أوحى إلى موسى عليه السلام راعى هذا الترتيب

فقال : (وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى(13) إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري) فقوله : (لاأله إلا أنا) اشارة إلى علم الأصول ، وقوله : (فاعبدنى) إشارة إلى علم الفروع.

Page 20

وثالثها : أن عيسى عليه السلام لما أنطقه الله تعالى فى وقت الطفولية

قال : (إني عبد الله آتاني الكتاب). فقوله : ( إني عبد الله ) إشاره إلى علم الأصول ، وقوله : (آتاني الكتاب) إشاره إلى علم الفروع ، فإن احتياجه إلى الكتاب إنما يكون فى معرفة الاحكام والشرائع ، لا فى معرفة ذات الله تعالى وصفاته.

ورابعا : الآية التى نحن فيها

ولا نزاع فى أن أفضل الأنبياء والرسل عليهم السلام هؤلاء الأربعة،

فلما ثبت أن الله تعالى قدم الأمر بمعرفة الأصول على معرفة الفروع

فى حق هؤلآء الأنبياء المكرمين : ثبت أن الحق الصحيح الصريح ليس إلا ذلك ، ومما يؤكد ذلك وجوه أخر :

* * *

الوجه الأول :

أن أكثر المفسرين أجمعوا على أن أول أية أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم هى قوله : (اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم).

وهذه الأية مشتملة على دلائل التوحيد. وذلك أن أظهر الدلائل الدالة على

وجود الصانع الحكيم : توالد الإنسان من النطفة.

ثم إنه تعالى نبه فى هذه الأية على لطيفة عجيبة ، ولا يتأتى شرحها إلا فى معرض السؤال والجواب .

Page 21

فإن قال قائل : لابد من رعاية النظم بين أجزاء الكلام ، وهاهنا ذكر أنه تعالى يولد الإنسان من النطفة فقال : (الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق ).

ثم ذكر بعده أنه (علم الإنسان مالم يعلم).

فأى مناسبه بين هذين الامرين ؟

الجواب : أن اخس مراتب الإنسان وأدناها : العلقة ، وذلك لأنه يستقذرها كل أحد.

وأعلى المراتب وأشرفها : كون الإنسان عالما محيطا بحقائق الأشياء ، كأنه قال : عبدى ، تأمل إلى أول حالك حين كنت علقة،

وهى أخس الأشياء : وإلى آخر حالك حين صرت ناطقا عالما بحقائق الأشياء ، وهو أشرف المراتب ، حتى يظهر لك أنه لا يمكن الإنتقال من تلك الحالة الخسيسة إلى هذه الدرجة الرفيعة الشريفة إلا بتدبير أقدر القادرين ، وأحكم الحاكمين ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون.

* * *

الوجه الثانى :

أنه تعالى مدح المؤمنين فى سورة البقرة من أول السورة إلى قوله :

(أولئك هم المفلحون). وذم الكافرين فى آيتين : أولهما قوله : (أن الذين كفروا) إلى قوله : (ولهم عذاب عظيم).

Page 22

ثم ذم المنافقين فى ثلاث عشرة آية أولها قوله تعالى : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله) إلى قوله :

(يا أيها الناس اعبدوا ربكم).

ثم لما مدح المؤمنين وذم الكافرين والمنافقين

كأنه قيل : هذا المدح والذم لا يستقيمان إلا بتقديم الدلائل على إثبات التوحيد

والنبوة والمعاد ، فإن أصول الإسلام هى هذه الثلاثة.

فلهذا السبب بين الله تعالى صحة هذه الأصول بالدلائل القاطعه.

فبدأ أولا بإثبات الصانع وتوحيده ، وبين ذلك بخمسة أنواع من الدلائل :

أولها أنه استدل على التوحيد بأنفسهم ، واليه الإشارة بقوله : (اعبدوا ربكم الذي خلقكم ).

وثانيها بأحوال آبائهم وأجدادهم،وإليه الإشارة بقوله : (والذين من قبلكم ).

وثالثها بأحوال اهل الأرض : وإليه

الإشارة بقوله : (الذي جعل لكم الأرض فراشا).

وربعها بأحوال أهل السماء ، وإليه الإشارة بقوله : (والسماء بناء).

وخامسها بالأحوال الحادثه المتعلقة بالسماء والأرض ، وإليه الإشارة بقوله : ( وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم).

فإن السماء كالأب ، والأرض كالأم : ينزل المطر من صلب السماء ، إلى رحم الأرض،

فيتولد منها انواع النبات.

ولما ذكرهذه الدلائل الخمسة رتب المطلوب عليها فقال :

(فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون).

وذلك : أن هذه الدلائل الخمسة رتب المطلوب عليها فقال : (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون).

وذلك : أن هذه الدلائل تدل على وجود الصانع من وجه ، وعلى كونه تعالى واحدا من وجه آخر ، فأنها من حيث أنها حدثت مع جواز ألا تحدث ، ومع جواز أن تحدث على خلاف ما حدثت به يدل على وجود الصانع القادر.

Page 23

ومن حيث انها حدثت لا على وجه الخلل والفساد دلت على وحدة الصانع القادر كما قال تعالى : (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)

فلهذا السبب ذكر بعد تلك الدلائل ذاك المطلوبين.

أحدهما إثبات الصانع ، والثانى كونه واحدا ،لأن قوله تعالى : ( فلا تجعلوا لله أندادا).

يشمل على إثبات الإله ، وعلى إثبات كونه واحدا.

ثم هنا لطيفة أخرى مرعية فى هذه الآية

وهى : أن الترتيب الحسن المفيد

فى التعليم أن يقع الإبتداء فى التعليم من الأظهر فالأظهر ، مرتقيا إلى الأخفى.

وهذه الدقيقة مرعية فى هذه الآية.

وذلك أنه سبحانه وتعالى قال : (اعبدوا ربكم الذي خلقكم ).

فجعل إستدلال كل عاقل بنفسه مقدما على جميع الاستدلالات ، لأن اطلاع كل أحد على أحوال نفسه أتم من إطلاعه على أحوال غيره : فسيجد أنه بالضروره من نفسه[أنه]

تارة يكون مريضا ، وتارة يكون صحيحا ، وتارة ملتذا ، وتارة متألما ، وتارة شابا ، وتارة شيخا.

والانتقال من بعض هذه الصفات إلى غيرها ليس باختيار أحد من البشر.

وأيضا فقد يجتهد فى طلب كل شئ فلا يجد ، وكثيرا ما يكون غافلا عنه فيحصل ، وعند ذلك يعلم كل أحد عند نقص الغرائم وفسخ الهمم :

أنه لابد من مدبر يكون تدبيره فوق كل البشر.

وربما اجتهد العاقل الذكى فى الطلب فلا يجد ، والغر الغبى يتيسر له ذلك المطلوب.

فعند هذه الاعتبارات يلوح له صدق قول الشافعى رضي الله عنه

ومن الدليل على القضاء كونه * بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق.

Page 24