بيان أن مرد الأحكام الشرعية هو الكتاب الكريم لأنه أصل الأصول

اعلم أن اصل كل حكم شرعي هو الكتاب الكريم لأنه اصل الأصول ومأخذ المآخذ وكلي الكليات فلا يمكن لحكم ما من الأحكام الشرعية إلا وأن يرجع إليه ويصدر منه حتى إن السنة النبوية أصلها كتاب الله تعالى لأنها تفصيل لمجمله وإيضاح لمبهمه وطريق من طرق الاستنباط منه . فكل سنة بحث عن أصلها باحث خبير فإنه يجدها في كتاب الله تعالى مدلولا عليها إما من نص آية أو ظاهرها أو مفهومها أو إشارتها أو عمومها إلى غير ذلك من وجوه الاستنباط التي يعلمها المجتهد ويذكر بعضها في فن الأصول

إذا علمت ذلك فمسألتنا هذه - مسألة المسح على الجوربين - أصلها في الكتاب الكريم إما من عموم المسح في آية الوضوء وإما من عمومات أخر

فأما ( العموم الأول ) فسنده قراءة الجر في قوله تعالى :

Page 25

[ 25 ] { وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم } فإن ظاهرها أن الفرض في الرجلين هو المسح كما روي ذلك عن ابن عباس وأنس وعكرمة والشعبي وقتادة وجعفر الصادق وعلماء سلالته Bهم أجمعين . فعلى مذهب هؤلاء الأئمة يكون مفاد الآية وجوب المسح على الرجلين مباشرة أو بما عليها من خف أو جورب أو تساخين ( 1 ) فيظهر كون الآية مأخذا للسنة على هذه القراءة

Page 25

وأما على قول الجمهور : إن فرض الرجلين هو الغسل وصرف قراءة الجر إلى قراءة النصب - بالأوجه المعروفة في مواضعها - فيكون مأخذ مسح الجوربين من الكتاب العزيز ( عمومات أخر ) في آياته مثل آية { وما أتاكم الرسول فخذوه } وآية { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وآية { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني } وآية { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } ونظائرها مما لا يحصى . وقد تعدد وجوه الاستنباط ويترجح بعضها بقوة التفرع والارتباط ولا يخفى وجوه التراجيح على الراسخين والله الموفق والمعين ( 1 ) خالف الشيعة في هذا فلم يجوزوا المسح على خف ولا جورب ولا تساخين

Page 26

[ 26 ] بيان الأحاديث المرفوعة إلى النبي A في المسح على الجوربين والنساخين

اعلم أن أحاديث هذا الباب منها ما يستفاد جواز المسح على الجوربين من عمومه ومنها ما يستفاد من خصوصه

فمن ( النوع الأول ) وهو ما يستفاد من عمومه وإطلاقه جواز المسح على الجوربين حديث ثوبان Bه قال الإمام أحمد C في مسنده ( 1 ) : في مسند ثوبان Bه : حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان قال : ( بعث رسول الله A سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي A شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين ) رواه أبو داود في ( سننه )

قال العلامة ابن الأثير في ( النهاية ) : ( العصائب ) هي العمائم لأن الرأس يعصب بها و ( التساخين ) كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما ولا واحد لها من لفظها

أقول : رجال هذا الحديث ثقات مرضيون ما يعلم من مراجعة أسمائهم من كتب الرجال

Page 26

ومن ( النوع الثاني ) وهو ما ورد نصا في الجوربين ( 1 ) انظر المسند 5 / 275 وقد طبعه المكتب الإسلامي طباعة أنيقة في ست مجلدات

Page 27