بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر. رب أعن. المأمون يسأل ما هو العشق أخبرنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو الفرج المعافى بن زكرياء الجريري قال: حدثنا محمد بن الحسن بن زياد المقري قال: حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال: حدثنا أبو العالية الشامي قال: سأل أمير المؤمنين المأمون يحيى بن أكثم عن العشق ما هو؟ فقال: هو سوانح تسنح للمرء، فيهتم بها قلبه، وتؤثرها نفسه. قال: فقال له ثمامة: اسكت يا يحيى! إنما عليك أن تجيب في مسألة طلاق أو محرم صاد ظبيًا أو قتل نملةً، فأما هذه فمسائلنا نحن. فقال له المأمون: قل يا ثمامة، ما العشق؟ فقال ثمامة: العشق جليس ممتع، وأليف مؤنس، وصاحب ملك مسالكه لطيفة، ومذاهبه غامضة، وأحكامه جائزة، ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والعقول وآراءها،

1 / 11

وأعطي عنان طاعتها، وقود تصرفها، توارى عن الأبصار مدخله وعمي في القلوب مسلكه. فقال له المأمون: أحسنت والله يا ثمامة! وأمر له بألف دينار. العشق داء أهل الظرف أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي العلاف بقراءتي عليه قال: حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان المروروذي قال: حدثنا جعفر بن محمد الخالدي قال: حدثنا أحمد بن محمد الطوسي قال: حدثني علي بن عبد الله القمي قال: قال لي عبد الله بن جعفر المديني قلت لأبي زهير المديني: ما العشق؟ قال: الجنون والذل، وهو داء أهل الظرف. العشق أوله لعب وآخره عطب أنبأنا أبو بكر أحمد علي بن الحافظ إن لم يكن حدثنا قال: أخبرني أبو الحسن علي بن أيوب القمي الكاتب بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران قال: أخبرني المظفر بن يحيى قال: قال بعض الفلاسفة: لم أر حقًا أشبه بباطل ولا باطلًا أشبه بحق من العشق، هزله جد وجده هزل، وأوله لعب وآخره عطب. ذنوب اضطرار أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ بالشام قال: حدثنا رضوان بن عمر الدينوري قال: سمعت معروف بن محمد بن الصوفي الصوفي بالري يقول: سمعت أبا بكر الصيني يقول: سمعت إبراهيم بن الفضل يقول: سمعت يحيى بن معاذ يقول: لو كان إلي من الأمر شيء ما عذبت العشاق، لأن ذنوبهم ذنوب اضطرار لا ذنوب اختيار. المجنون الشاعر أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال: أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثني أبو علي الحسن بن صالح قال: قال مساور الوراق: قلت لمجنون كان عندنا، وكان شاعرًا، ويقال إن عقله ذهب لفقد ابنة عم كانت له، فقلت له يومًا: أجز هذا البيت: وَما الحُبُّ إلاّ شُعلةٌ قَدحَتْ بها ... عيونُ المَها باللَّحظِ بينَ الجوانِحِ. قال فقال على المكان: ونارُ الهوى تَخفَى، وفي القلبِ فِعلُها ... كفعل الذي جادَت به كفُّ قادحِ. الجنة لمن عشق وعف أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بدمشق قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أيوب بن الحسين بن أيوب القمي إملاء قال: حدثنا أبو عبيد الله المرزباني وأبو عمرو بن حيويه وأبو بكر بن شاذان قالوا: حدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي الملقب بنفطويه قال: دخلت على محمد بن داود الأصبهاني في مرضه الذي مات فيه، فقلت له: كيف تجدك؟ فقال: حبُّ من تعلم أورثني ما ترى. فقلت: ما منعك عن الاستمتاع به مع القدرة عليه؟ فقال: الاستمتاع على وجهين، أحدهما النظر المباح، والثاني اللذة المحظورة، فأما النظر المباح فأورثني ما ترى، وأما اللذة المحظورة فإنه منعني منها ما حدثني أبي قال: حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي، ﷺ، أنه قال:

1 / 12

من عشق وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة، ثم أنشدنا لنفسه: انظُرْ إلى السّحرِ يجري في لَوَاحظِه، ... وانظر إلى دَعَجٍ في طرفِهِ الساجي. وانظر إلى شَعَراتٍ فوقَ عارِضِه ... كأنّهُنّ نِمالٌ دَبّ في عاجِ. وأنشدنا لنفسه: ما لَهُم أنكرُوا سوادًا بخدّي ... هـ، ولا يُنْكِرُونَ وَرْدَ الغُصُونِ. إنْ يَكُنْ عَيْبُ خدّه بُدَدَ الشَّعْ ... رِ، فَعَيْبُ العيونِ شعرُ الجُفونِ. فقلت له: نفيت القياس في الفقه، وأثبته في الشعر. فقال: غلبة الهوى، وملكة النفوس دعتا إليه. قال: ومات في ليلته أو في اليوم الثاني. العاشق الشهيد أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أيوب القمي قال: حدثنا محمد بن عمران قال: حدثني محمد بن مخزوم قال: حدثني الحسن بن علي الأشناني وأحمد بن محمد بن مسروق قالا: حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله، ﷺ: من عشق فظفر فعف فمات مات شهيدًا.

1 / 14

سقراط والعشق أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال: وأخبرنا أبو عمر محمد بن العباس قال: حدثنا أبو بكر بن المرزبان قال: قال سقراط الحكيم: العشق جنون، وهو ألوان كما أن الجنون ألوان. العاشق التقي أخبرنا الشيخ الصالح أبو طالب محمد بن علي بن الفتح العشاري بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله القطيعي إجازة قال: حدثنا جعفر بن محمد بن نصير الخالدي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا سويد بن سعيد أبو محمد قال: سمعت علي بن عاصم يقول: قال لي رجل من أهل الكوفة من بعض إخواني: ألا أريك فتىً عاشقًا؟ قال: بلى، والله، فإني أسمع الناس ينكرون العشق وذهاب العقل فيه، وإني لأحب رؤيته، فعدني يومًا أجئ معك فيه. قال: فوعدته يومًا فمضينا فأنشأ صاحبي يحدثني عن نسكه وعبادته، وما كان فيه من الاجتهاد، قلت: وبمن هو متعلق؟ قال: بجاريةٍ لبعض أهله كان يختلف إليهم، فوقعت في نفسه، فسألهم أن يبيعوها منه، فأبوا، وبذل لهم جميع ماله، وهو سبعمائة دينار، فأبوا عليه ضرارًا وحسدًا أن يكون مثلها في ملكه، فلما أبوا عليه، بعثت إليه الجارية، وكانت تحبه حبًا شديدًا: مرني بأمرك، فوالله لأطيعنك ولأنتهين إلى أمرك في كل ما أمرتني به. فأرسل إليها: عليك بطاعة الله، ﷿، فإن عليها المعول والسكون إليها، وبطاعة من يملك رقك، فإنها مضمومة إلى طاعة ربك، ﷿، ودعي الفكر في أمري لعل الله، ﷿، أن يجعل لنا فرجًا يومًا من الدهر، فوالله ما كنت بالذي تطيب نفسي بنيل شيء

1 / 15

أحبه أبدًا في ملكي، فأمنعه، أمد يدي إليه حرامًا بغير ثمن، ولكن أستعين بالله على أمري، فليكن هذا آخر مرسلك إلي، ولا تعودي فإني أكره والله أن يراني الله تعالى، وأنا في قبضته، ملتمسًا أمرًا يكرهه مني، فعليك بتقوى الله، فإنها عصمة لأهل طاعته، وفيها سلو عن معصيته. قال: ثم لزم الاجتهاد الشديد، ولبس الشعر وتوحد، فكان لا يدخل منزله إلا من ليل إلى ليل، وهو مع ذلك مشغول القلب بذكرها ما يكاد يفارقه، فوالله ما زال الأمر به حتى قطعه، فو الآن ذاهب العقل واله في منزله. قال: ثم صرنا إلى الباب واستأذنا فأذن لنا. قال علي: فدخلت إلى دار قوراء سرية، وإذا أنا بشاب في وسط الدار على حصير متزر بإزار ومرتد بآخر. قال: فسلمنا عليه، فلم يرد علينا السلام، فجلسنا إلى جنبه، وإذا هو من أجمل من رأيت وجهًا، وهو مطرق ينكت في الأرض، ثم ينظر إلى ساعده، ثم يتنفس الصعداء، حتى أقول قد خرجت نفسه، وهو مع ذلك كالخلال من شدة الضر الذي به. قال: فالتفت، فإذا أن بوردة حمراء مشدودة في عضده، قال: فقلت لصاحبي: ما هذه؟ فوالله ما رأيت العام وردًا قبل هذه! فقال: أظن فلانة، وسماها، بعثت بها إليه، فلما سماها رفع رأسه فنظر إلينا ثم قال: جَعَلتُ من ورْدتِها ... تميمَةً في عَضُدي. أشُمّهَا مِن حبّهَا ... إذا عَلاني كمَدي.

1 / 16