بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم رب يسر قَالَ الشَّيْخ الْعَلامَة أوحد عصره وفريد دهره لِسَان الشَّرِيعَة سيد عُلَمَاء الطَّرِيقَة أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَزِيز بن عبد السَّلَام بن أبي الْقَاسِم السّلمِيّ رَحمَه الله تَعَالَى ممليا لحل مَقَاصِد الرِّعَايَة للْإِمَام الْحَارِث بن أَسد المحاسبي ﵁ الْحَمد لله الَّذِي لَا تتمّ الصَّالِحَات إِلَّا بِهِ وَصلى الله على سيدنَا ومولانا مُحَمَّد وعَلى آله وَأَصْحَابه فصل فِي حسن الِاسْتِمَاع إِلَى كل مَا أَمر الْعباد بالاستماع إِلَيْهِ حسن الِاسْتِمَاع أَن تصغي إِلَى مَا تستمع إِلَيْهِ من غير أَن تشغل قَلْبك أَو

1 / 11

شَيْئا من جوارحك بِغَيْر مَا تستمع إِلَيْهِ وَتقبل عَلَيْهِ إِلَى مَا يعينك على فهم ذَلِك من الإقبال بِعَيْنِك من يحدث بذلك أَو تنظر فِي كتاب يشْتَمل على ذَلِك وَقد ضمن الله ﷾ لمن أحسن الِاسْتِمَاع أَن يحصل لَهُ الاتعاظ وَالِانْتِفَاع بِمَا اسْتمع لَهُ وأصغي إِلَيْهِ فَقَالَ تَعَالَى ﴿إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب أَو ألْقى السّمع وَهُوَ شَهِيد﴾ أَي إِن فِي ذَلِك اتعاظا لمن كَانَ لَهُ عقل أَو ألْقى سَمعه إِلَى الموعظة وَهُوَ حَاضر الْعقل غير غَائِب عَمَّا يستمع إِلَيْهِ فصل فِيمَا يجب رعايته من حُقُوق الله تَعَالَى رِعَايَة الشَّيْء حفظه من الْفَوات وَالنُّقْصَان وَحُقُوق الله ﷾ ضَرْبَان أَحدهمَا فعل الْوَاجِبَات وَالثَّانِي ترك الْمُحرمَات فَفعل كل وَاجِب تقوى وَترك كل محرم تقوى وَالْحَامِل على التَّقْوَى الْخَوْف من عَذَاب الله تَعَالَى وعقابه فَمن أَتَى بخصلة مِنْهَا فقد وقى نَفسه بهَا مَا رتب

1 / 12

على تَركهَا من شَرّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مَعَ مَا يحصل لَهُ من نعيم الْجنان ورضا الرَّحْمَن ٣ - فصل فِيمَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى لَا يتَقرَّب إِلَى الله ﷾ إِلَّا بِطَاعَتِهِ وطاعته فعل وَاجِب أَو مَنْدُوب وَترك محرم أَو مَكْرُوه فَمن تقواه تَقْدِيم مَا قدم الله ﷾ من الْوَاجِبَات على المندوبات وَتَقْدِيم مَا قدمه من اجْتِنَاب الْمُحرمَات على ترك المكروهات وَهَذَا بِخِلَاف مَا يَفْعَله الجاهلون الَّذين يظنون أَنهم إِلَى الله ﷾ متقربون وهم مِنْهُ متباعدون فيضيع أحدهم الْوَاجِبَات حفظا للمندوبات ويرتكب الْمُحرمَات تصونا عَن ترك المكروهات وَلَا يَقع فِي مثل هَذَا إِلَّا ذَوُو الضلالات وَأهل الجهالات فكم منا مُقيم لصور الطَّاعَة مَعَ انطواء قلبه على الرِّيَاء والحسد والغل وَالْكبر والإعجاب بِالْعَمَلِ والإدلال على الله تَعَالَى بالطاعات ﴿الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا﴾ الْكَهْف

1 / 13

وَكم من نَاظر إِلَى مَا لَا يحل النّظر إِلَيْهِ ومغتاب لمن لَا تجوز غيبته ومزدر لمن لَا يحل ازدراؤه ظنا أَن ذَلِك من الجائزات وغفلة عَن كَونه من الْمُحرمَات وَالتَّقوى قِسْمَانِ أَحدهمَا مُتَعَلق بالقلوب وَهُوَ ضَرْبَان أَحدهمَا وَاجِب كإخلاص الْأَعْمَال وَالْإِيمَان وَالثَّانِي محرم كالرياء وتعظيم الْأَوْثَان وَالثَّانِي يتَعَلَّق بالأعضاء الظَّاهِرَة كنظر الْأَعْين وبطش الْأَيْدِي ومشي الأرجل ونطق اللِّسَان ٤ - فَائِدَة إِذا صحت التَّقْوَى أثمرت الْوَرع والورع ترك مَا لَا بَأْس بِهِ خوفًا من الْوُقُوع فِيمَا بِهِ بَأْس ٥ - فصل فِي تَعْرِيف الْجَاهِل الْمَغْرُور غرته قد تقدم أَن التَّقْوَى مُتَعَلقَة بالجنان وبالأركان فنبدأ بتعرف اختلال التَّقْوَى فِي الْأَركان وَطَرِيق ذَلِك أَن يعرض أَعمال جوارحه الظَّاهِرَة من حِين

1 / 14

بلغ إِلَى وقته ذَلِك على كتاب الله سُبْحَانَهُ وَسنة رَسُول الله ﷺ فَإِن وجد نَفسه على حفظ حُدُود الله تَعَالَى بِجَمِيعِ جوارحه فليعدل بعد ذَلِك إِلَى تقوى قلبه فَإِن وجد قلبه مُسْتَقِيمًا من حِين بُلُوغه إِلَى حِين عرضه فَهَذَا ولي من أَوْلِيَاء الله ﷾ وَقل أَن يُوجد ذَلِك فِي هَذَا الزَّمَان وَكَيْفِيَّة عرض ذَلِك أَن ينظر إِلَى مَا يتَعَلَّق بِكُل عُضْو من أَعْضَائِهِ من أَمر الله تَعَالَى وَنَهْيه فيعرضهما عضوا عضوا فَيعرض اللِّسَان مثلا هَل ترك مَا أَمر الله ﷾ بقوله كالأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَإِن تحقق أَنه قَامَ بِجَمِيعِ مَا أمره الله تَعَالَى وَمَا أعز ذَلِك فَليرْجع إِلَى مَا نهى عَنهُ فَإِن عرف أَن لِسَانه مَحْفُوظ عَن ذَلِك من حِين بلغ إِلَى حِين عرضه وَمَا اعز ذَلِك فليعدل إِلَى تقوى الْعين بِفعل مأموراتها وَاجْتنَاب منهياتها فَإِن استقامت على الْأَمر وَالنَّهْي فِي جَمِيع ذَلِك وَلنْ يسلم لَهُ ذَلِك فليعدل إِلَى منهيات سَمعه ومأموراته فَإِن علم أَنه قَائِم بوظائفها وَمَا أندر ذَلِك فليعدل إِلَى بَطش يَده فليعتبر استقامتها على الْأَمر وَالنَّهْي فِي بطشها فَإِن علم أَنه قد أدّى مَا عَلَيْهِ فِي جَمِيع ذَلِك وَمَا أغرب ذَلِك

1 / 15