مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه أما بعد: فليعلم أن هذا الذي علقته في هذه الورقات قد اقتصدت فيه واقتصرت على ما تحصل به الفائدة ويحصل به الثواب من الرب الكريم الوهاب لأنه من أفضل الجهاد في الدين والنصيحة لعامة المسلمين ولمن يصل إليه ممن له رغبة في معرفة حقيقة الدين الذي بعث الله به الأنبياء والمرسلين، فأقول قبل الشروع في تحرير الجواب: أن عثمان بن منصور اعترض على شيخنا رحمه الله تعالى فيما دعا إليه من توحيد الله تعالى من الحنيفية ملة إبراهيم وما بعث به محمد النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليهما وعلى جميع المرسلين، فقال إنه لم يتخرج على أشياخ في العلم، وهذا مما افتراه واختلقه عمن استند إليه من شيوخه الثلاثة ابن سند وابن جديد وابن سلوم، وهذا من جهلهم بحال شيخنا وشدة عداوتهم له فتلقى عن هؤلاء الثلاثة ما زعموه من الكذب والبهتان فالجواب عن هذا من وجوه. الأول: أنه لا يعرف شيخنا ولا حيث نشأ كما يعرفه الخبير بحاله ممن يقول الحق ويقصده ويتحرى الصدق ويؤثره، فلا ريب أنه لما قدم جده سليمان ابن علي من الروضة ونزل العيينة كان أفقه أهل نجد في وقته، فتخرج عليه خلق كثير من أهل نجد منهم ابناه عبد الوهاب وإبراهيم، وكان المتولي للقضا في العارض أبوه عبد الوهاب، وكان عمه يسافر إلى ما حولهم من البلاد لحاجتهم إليه في الإفتاء وما يقع بينهم من بيع العقارات وكان عليه اعتمادهم فيما كتبه وأثبته، وأكثر إقامته مع أخيه عبد الوهاب، فظهر شيخنا بين أبيه وعمه فحفظ القرآن وهو صغير، وقرأ في فنون العلم، وصار له فهم

1 / 5

قوي وهمة عالية في طلب العلم فصار يناظر أباه وعمه في بعض المسائل بالدليل على بعض الروايات عن الإمام أحمد، والوجوه عن الأصحاب فتخرج عليهما في الفقه وناظرهما في مسائل قرأها في الشرح الكبير والمغني والإنصاف لما فيها من مخالفة ما في متن المنتهى والإقناع، وعلت همته إلى طلب التفسير والحديث فسافر إلى البصرة غير مرة، كل مرة يقيم بين من كان فيها من العلماء فأظهر الله له من أصول الدين ما خفي على غيره، وكذلك ما كان عليه أهل السنة في توحيد الأسماء والصفات والإيمان، فيقال في الجواب أنت يابن منصور إنما افتخرت في رحلتك إلى البصرة والزبير وإقامتك بين أشياخك الثلاثة فما الذي خصك بأخذ العلم منها دونه إذا كان الكل قد سافر إليها وجالس العلماء وتميز عنك بالأخذ عمن لا يتهم في حقه بالكذب والزور، وأنت قبلت فيه قول أهل الريب والفجور، وصنف في البصرة كتاب التوحيد الذي شهد له بفضله بتصنيفه له القريب والبعيد، أخذه من الكتب التي في مدارس البصرة من كتب الحديث، وأما أنت يا ابن منصور فأي علم جئت به من رحلتك، ضيعت زمانك وأخمدت شانك وصرت ضحكة عند من أخذ عن هذا الشيخ، وقد عدوا عليك من الغلطات ما لا فائدة في عده ها هنا، وأنت لم تنقل عنهم واحدة غلطوا فيها، وذلك ببركة ما حصلوه ممن أخذ عن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب فكيف حالك لو رأيت من أخذ عنه لكنت في نفسك أحقر، ومن الدليل على ما ذكرته هنا أنه طلب الإجازة من مملي هذا الكلام فأجازه بمروياته في الحديث وغيره ظنًا مني أنه على هدى وأنه بأهل العلم قد اقتدى، ثم إن شيخنا رحمه الله تعالى بعد رحلته إلى البصرة وتحصيل ما حصل بنجد وهناك رحل إلى الإحساء، وفيها فحول العلماء منهم عبد الله بن فيروز أبو محمد الكفيف

1 / 6

ووجد عنده من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ما سر به وأثنى على عبد الله هذا بمعرفته بعقيدة الإمام أحمد، وحضر مشايخ الإحساء ومن أعظمهم عبد الله بن عبد اللطيف القاضي، وطلب منه أن يحضر الأول من فتح الباري على البخاري وبين له ما غلط فيه الحافظ في مسألة الإيمان وبين أن الأشاعرة خالفوا ما صدّر البخاري كتابه من الأحاديث والآثار وبحث معهم في مسائل وناظر هذا أمر مشهور يعرفه أهل الإحساء وغيرهم من أهل نجد، فإذا خفي عليك يا ابن منصور هذا أو جحدته فغير مستغرب والعدو يجحد فضايل عدوه. كل العداوة قد ترجى مودتها ... إلا عداوة من عاداك في الدين ثم إن شيخنا ﵀ رجع من الإحساء إلى البصرة وخرج منها إلى نجد قاصدا الحج، فحج رحمه الله تعالى وقد تبين له بما فتح الله تعالى عليه ضلال من ضل باتخاذ الأنداد وعبادتها من دون الله في كل قطر وقرية إلا من شاء الله، فلما قضى الحج وقف في الملتزم وسأل الله تعالى أن يظهر هذا الدين بدعوته وأن يرزقه القبول من الناس فخرج قاصدًا المدينة مع الحاج يريد الشام فعرض له بعض سراق الحجيج فضربوه وسلبوه وأخذوا ما معه وشجوا رأسه وعاقه ذلك عن مسيره مع الحاج، فقدم المدينة بعد أن خرج الحاج منها فأقام بها وحضر عند العلماء إذ ذاك منهم محمد حياة السندي، وأخذ عنه كتب الحديث إجازة في جميعها وقرآة لبعضها ووجد فيها بعض الحنابلة فكتب كتاب الهدي لابن القيم بيده، وكتب متن البخاري وحضر في النحو، وحفظ ألفية ابن مالك ثم رجع إلى نجد وهم على الحال التي لا يحبها الله ولا يرضاها من الشرك بعبادة الأموات والأشجار والأحجار والجن، فقام فيهم يدعوهم إلى التوحيد وأن يخلصوا العبادة بجميع أنواعها لله، وأن

1 / 7

وأن يتركوا ما كانوا يعبدونه من قبر أو طاغوت أو شجر أو حجر والناس يتبعه منهم الواحد والاثنان، فصاح به الأكثرون وحذروا منه الملوك وأغروهم بعداوته، حتى إن ابن حميد ملك الإحساء والقطيف والبادية أرسل إلى ابن معمر أمير العيينة أن يقتله أو ينفيه، فنفاه إلى الدرعية وتلقاه محمد بن سعود رحمه الله تعالى وأولاده وإخوته فصبروا على حرب القريب والبعيد حتى أظهر الله هذا الدين فنجا بدعوته من نجاه الله من الشرك والضلال وهلك بدعوته من هلك ممن بغى وطغى واستكبر وحسد وكل من دعا إلى ما دعت إليه الرسل لا بد أن يقع له من الناس ما وقع لهم، والمقصود ذكر نعمة الله تعالى على شيخنا وبيان كذب المفتري، وأنه نشأ في طلب العلم وتخرج على أهله في سن الصبا، ثم رحل لطلب العلم للبصرة مرارًا وللإحساء ثم إلى المدينة والمعول على ما وهبه الله تعالى من الفهم والحفظ وتمييز الحق من الباطل ومعرفة حقيقة التوحيد وما ينافيه من الشرك الأكبر وسبيل أهل السنة، ومعرفة ما خالف السنة من البدع أعطاه الله في ذلك علمًا عظيمًا فصار بذلك يشبه أكابر علماء السنة وما كان عليه السلف الصالح، فصار آية في العلوم ونفع الله بدعوته الخلق الكثير، والجم الغفير، وبقيت علومه في الناس يعرفها العام والخاص من أهل نجد وغيره، وما أنكر هذه الدعوة الإسلامية بعد ظهورها في نجد وما والاه إلا جاهل معاند لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فدحضت بحمد الله حجة كل مجادل ومماحل، فأتم الله نعمته على من قبل هذه الدعوة الإسلامية وقد قال بعض العلماء ﵏ الإخلاص سبيل الخلاص، والإسلام مركب السلامة والإيمان خاتم الأمان، فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة التي لا نعمة أكبر منها ولا أعظم منها ولا أنفع إذا عرف مما تقدم ما افتراه ابن منصور على شيخنا وأنه صدر عن غير علم

1 / 8

ولا معرفة بحاله في نشأته وطلبه فينبغي أن نزيد ما تقدم من الانتصار لإمام الدعوة الإسلامية النبوية رحمة الله عليه فنقول ما أدراه عن حال شيخنا رحمه الله تعالى وقد تقدم ما يدل على أنه لا دراية له ولا عناية بحاله يعرف ذلك مما قدمناه. ومن المعلوم أنه لا يعتني بمعرفة حال مثله إلا من حبه وأحب ما قام به ودعا إليه، وأما من انحرف عنه وعن دعوته في مبدأ نشأته وتوجه برحلته إلى من اشتدت عداوته له في دينه، كابن سند وابن سلوم وابن جديد، فهؤلاء الثلاثة المذكورون قد أشربوا عداوة التوحيد ومن دعا إليه، فصار أهل التوحيد هم أعداؤهم بما اشربوه من كراهته وكراهة من دان به، فأخذ عنهم ما وضعه في كتبه من الزور والكذب والفجور، وانتصر فيها لعباد القبور، وزعم أنهم مسلمون لأنهم يقولون لا إله إلا الله ويصلون والعدو لا يرى محاسن عدوه خصوصًا إذا عاداه في الدين، وصاروا أعداء لكل موحد ونصرة لكل مشرك ملحد، فأخذ عنهم هذه البضاعة وامتنع على إمام المسلمين بما أودعه كتبه من الشناعة ولا ريب أن شره إنما يعود إليه، ويرجع وبال ذلك كله عليه، والمقصود أن يعلم أن هؤلاء الثلاثة هم أشياخه الذين تخرج عليهم بالانحراف عن الدين وتضليل الموحدين، ولولا أنه شحن كتبه بذلك لما ذكرناه، فهذا هو المحصول الذي حصله والأساس الذي أسسه وأصله، فقدم نجدًا بعد طول المقام عند أولئك الملحدين المنحرفين عن الدين، فصار حظه جمع الكتب من غير رواية لها ولا دراية ولم يُر للعلم عليه أثر مع أن هؤلاء مع ما فيهم من العداوة صاروا أعقل منه، فلم يكتبوا شيئًا من هذه الأكاذيب والزندقة والتخليطات الفاسدة، وهذا لقلة عقله وفساد قصده جرى منه ما جرى، وبالجملة فقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: فالحاسد يحمله بغض المحسود على مماداته والسعي في أذاه بكل ممكن مع علم

1 / 9