تقديم الحمد لله الذي فضل هذه الأمة على سائر الأمم وجعلها خير أمة أخرجت للناس. وخصها بميزة الإسناد للحفاظ على سنة نبيها محمد ﷺ. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وبعد: فإن المسلمين قد اتفقت كلمتهم على أن الكتاب والسنة هما المصدران الرئيسيان للتشريع ولكل ما جاء به الإسلام من أنظمة وآداب وأخلاق. وان السنة تأتى في المرتبة الثانية بعد كتاب الله. ولولاها لكان التشريع ناقصا. لأن القرآن الكريم أجمل في آياته بعض الأحكام وجاءت السنة مفسرة لتلك الآيات وتكفلت بشرحها. وصار لزاما على كل مسلم أن يهتم بهذا المصدر دون اختيار منه ليبقى الإسلام كاملا كما أراده الله ﷾ لهذه الأمة. وقد مرت على هذه الأمة ظروف قاسية فأدخل أعداؤها عليها من قبل هذا المصدر لتشويه سمعة الإسلام الناصعة فظهر ما يعرف «بالوضع في الحديث». ليختلط صحيحه بسقيمه وجيده برديئه. وليدخل من جراء ذلك على الإسلام ما ليس منه فتنبه العلماء الأجلاء إلى هذا الخطب العظيم. وهبوا لتحذير الأمة مما أدخل على منهجها من قبل أعدائها فبدءوا بالسؤال عن أحوال الرواة جرحا وتعديلا وقعدوا القواعد وعرفوا الحديث وقسموه إلى صحيح وحسن وضعيف وموضوع وما يتبعه من أنواع قررها أهل هذا الفن. وحماية لهذا المصدر من الوهم والالتباس قام العلماء بجهد مشكور فأفرد بعضهم كنى الرواة في مواضع لأنه من المهمات العظيمة. ولأن الجهل به عيب للمحدث كما قرره الحافظ ابن الصلاح. وانطلاقا من هذا المبدأ فقد وقع في خاطري خدمة هذا السفر وإخراجه لطلاب العلم. لما له من قيمة علمية قررها كل من جاء بعد الإمام مسلم واعتمدوها في مؤلفاتهم التي خلفوها لنا.

1 / 7

فالله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

1 / 8

الكنى وأقسامها تعريف الكنى: (^١) اتفق أهل العربية على أن الكنية هو ما صدر بأب أو أم أو ابن أو بنت على الأصح في الأخيرين. أما الأصوليون فقالوا هو ما يدل على المراد بغيره لا بنفسه. وعند أهل البيان أن يعبر عن شيء بلفظ غير صحيح في الدلالة عليه لغرض من الأغراض كالإبهام على السامع أو لنوع فصاحته. وينقسم أغراضه عندهم إلى ثلاثة أقسام: ١ - أن يكنى عن شيء يستفحش ذكره. ٢ - أن يكنى الرجل توقيرا له وتعظيما. ٣ - أن تقوم الكنية مقام الاسم فيعرف صاحبها بها كما يعرف باسمه كأبي لهب. والكنية جمعها كنى بالضم وكذا في المفرد والكسر فيها لغة مثل برمه وبرم وسدرة وسدر. وقد ذهب أهل الحديث في تعريف الكنى مذهب أهل النحو كما سبق وتقدم مفهومه عندهم. _________ (^١) انظر: (المصباح ٦٥٧) (الصحاح ٦/ ٢٤٧٧) (تاج العروس ١٠/ ٣١٩).

1 / 9

أقسام الكنى عند المحدثين: تنقسم الكنى إلى قسمين أساسيين ويتفرعان إلى فروع كثيرة فأما القسمان هما: أولا- الكنى المجردة: وهذه تنقسم إلى أقسام: (أ) من ليس له اسم سوى كنيته (^١) .. كأبي بلال الأشعري كان يقول اسمي كنيتي. (ب) من لا يعرف بغير كنيته ولم يوقف على اسمه .. منهم أبوشيبة الخدري المدني. ثانيا- الكنى المقيدة: وتنقسم إلى أقسام: (أ) من له كنيتان إحداهما لقب كعلي بن أبي طالب رضى الله عنه، كنيته أبو الحسن ويقال له أبو تراب لقبا. (ب) من له كنيتان كابن جريج كان يكنى بأبي خالد وبأبي الوليد. (ج) من له اسم معروف ولكنه اختلف في كنيته مثاله: زيد بن حارثة مولى رسول الله، ﷺ، وقد اختلف في كنيته فقيل أبو خارجة وقيل أبو زيد وقيل أبو عبد الله. (د) من عرف بكنيته واختلف في اسمه كأبي هريرة، رضى الله عنه. (؟) من اختلف في اسمه وكنيته وهو قليل كسفينة قيل اسمه مهران وقيل عمير وقيل صالح وكنيته قيل أبو عبد الرحمن وقيل أبو البختري. (و) من اشتهر باسمه وكنيته كالأئمة الأربعة. (ز) من اشتهر بكنيته دون اسمه وكان اسمه معروفا كأبي الضحى مسلم ابن صبيح. _________ (^١) الباعث الحثيث ٢١٥.

1 / 10

الكتب المؤلفة في هذا الفن لقد اعتنى الأئمة بهذا النوع من علم الحديث وبذلوا جهدا يشكرون عليه في تحرير كنى الرواة لما لها من أهمية علمية فألفوا كتبا كثيرة بعنوان (الكنى) وساروا فيه على منهجين: المنهج الأول: إيراد كنى الرواة وأسمائهم وأنسابهم وشيوخهم وتلامذتهم. وما يتعلق بهم من جرح وتعديل كما فعل الإمام مسلم والنسائي. المنهج الثاني: أضافوا إلى ما تقدم ذكره في المنهج الأول نماذج من الأحاديث التي رواها أصحاب الكنى وعلقوا على تلك الأحاديث بما بان لهم من تصحيح وتضعيف كما فعل الإمام أبو أحمد الحاكم الدولابي وغيرهما. ويمكن اعتبار أصحاب هذا المنهج ممن خدموا الرواة والمتون. وسهلوا على الباحثين عناء البحث عن أحوال مروياتهم. وإن المتتبع لتراجم المؤلفين يدرك أن الكتب التي ألفت في الكنى كثيرة جدا إلا أن الذي وقفنا عليه أقل بقليل مما ذكر. وإن كان في الذي وقفنا عليه كثير. ولا نستطيع الجزم بفقدانها لأن التراث الإسلامي ما زال في عهد الطفولة من حيث الاهتمام به وإزالة ما علق به من آثار الماضي السحيق. إضافة إلى الجهل الذي ساد بعض المناطق الإسلامية ودفع بأفرادهم إلى بيع المخطوطات بأثمان زهيدة. ولا ندري لعل الأيام تكشف لنا مجموعة متكاملة من كتب الكنى بعد ما فقدنا أمل العثور عليها. وفيما يلي أسماء بعض المؤلفات في الكنى: ١ - كتاب الكنى- لعلى بن المديني ت ٢٣٤. ٢ - كتاب الكنى للإمام أحمد بن حنبل ت ٢٤١. وقد طبع بتحقيق الأستاذ عبد الله الجديع. ٣ - كتاب الكنى للإمام مسلم ت ٢٦١؟ وسيأتي الكلام عليه.

1 / 11