PARATEXT|

وله أيضا عليه السلام في:

Page 601

ذكر خطايا الأنبياء عليهم السلام

مما يسأله إبراهيم بن المحسن العلوي رحمة الله عليه

بسم الله الرحمن الرحيم

Page 602

قصة آدم عليه الصلاة والسلام

| قصة آدم عليه الصلاة والسلام

سئل الهادي إلى الحق يحي بن الحسين صلوات الله عليه عن قول الله تبارك وتعالى:{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس } [الكهف: 50]، كيف كان السجود من الملائكة صلوات الله عليهم؟

فقال: معنى قوله: { اسجدوا لآدم{ ، إنما أراد بذلك اسجدوا من أجل آدم تعظيما لخالقه، إذ خلقه من أضعف الأشياء وأقلها عنده، وهو الطين، فجاز أن يقال: اسجدوا لآدم لما أن كان السجود من أجل خلقه.

وقوله: { فسجدوا إلا إبليس{ ، وإنما جاز أن يجعل إبليس معهم في الأمر وإن لم يكن من جنسهم إذ كان حاضرا لأمر الله لهم، فأمره بالسجود معهم، وإن لم يكن جنسه جنسهم؛ لأن الملائكة صلوات الله عليهم إنما خلقوا من الريح والهوى، وخلقت الجن كلها من مارج النار. ومارج النار فهو الذي ينقطع منها عند توقدها وتأججها.

قلت: فما الدليل على أن إبليس من الجن؟

قال: قول الله جل ذكره: { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه } [الكهف: 50].

قلت: فهل أمرت الجن كلها بالسجود، أم خص الله إبليس بذلك دونهم؟

قال: لم يأمر الله سبحانه أحدا منهم إلا إبليس فقد أمره الله بالسجود دونهم.

قلت: أفمخصوص كان بذلك دونهم؟

قال: نعم كان مخصوصا بالأمر.

قلت: فعصيان آدم صلوات الله عليه في أكل الشجرة كيف كان ذلك منه أتعمدا أم نسيانا؟

فقال: قد أعلمك الله في كتابه من قوله: { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما } [طه: 115] يقول لم نجد له عزما على أكلها واعتمادها بعينها.

Page 603

ولكن سلني فقل لي: فإذا كان آدم في أكل الشجرة ناسيا كيف وجبت عليه العقوبة، وقد أجمعت الأمة على أنه إذا نسي الرجل فشرب في رمضان وهو ناس، أو أكل وهو ناس، أو ترك صلاة حتى يخرج وقتها وهو ناس، أو جامع امرأته في طمثها وهو ناس، لم يجب عليه في ذلك عقوبة عند الله، فكيف يجب على آدم صلوات الله عليه العقوبة في أكل الشجرة ناسيا؟

فإن سألتني عن ذلك قلت لك: إنما عوقب آدم صلوات الله عليه في استعجاله في أكل الشجرة، وذلك أن الله تبارك وتعالى لما نهاه عن أكل الشجرة وهي البر، وأمره بالشعير، ولم يحظره عليه، فكان يأكل من شجرة الشعير وهي ورق ولم تحمل ثمرا، فلما صار فيها الحب والثمر أشكل عليه أمرها، فلم يدر أيهما نهي عنها، فأتاه اللعين بخدعه وغروره، فقاسمه على ما ذكر الله في كتابه فقال: { ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين } [الأعراف: 20]، فاستعجل آدم فأكل من الشجرة، ولم ينتظر الوحي في ذلك من عند الله، فعوقب في استعجاله في أكلها، وقلة صبره لانتظار أمر ربه.

قلت: فكيف كان كلام إبليس وخدعه إياه؟ هل كان تصور له جسما ورآه عيانا؟

فقال: إنما سمع آدم كلامه ولم يره جسما، وقد رويت في ذلك روايات كذب فيها من رواها، وكيف يقدر مخلوق أن يخلق نفسه على غير مركب خلقه وفطرة جاعله، هذا ما لا يثبت ولا يصح عند من عقل وعرف الحق.

قلت: فقد كان محمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخاطب جبريل ويعاينه على عظيم خلقه وجسيم مركبه؟.

Page 604

قال: إنما كان جبريل عليه السلام ينزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم في صورة لطيفة يقدر على رؤيتها وعيانها. وصح عندنا أن النبي محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رأى جبريل في صورة دحية الكلبي، وإنما ذلك خلق أحدثه الله فيه وركبه عليه، لما علم من ضعف البشر، وأنهم لا يقدرون على النظر إلىخلق الملائكة لعظيم خلقهم وجسيم مركبهم، فلما علم الله تبارك وتعالى من محمد صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، ولم يكن جبريل عليه السلام يقدر على تحويل صورته ومركبه من حال إلى حال، لضعف المخلوقين وعجزهم عن ذلك، نقله الله سبحانه على الحالة التي رآه محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيها، نظرا منه سبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وما فعله الله فليس من فعل خلقه، فلك في هذا كفاية إن شاء الله.

قلت: فهل كان آدم صلى الله عليه طمع في الخلود لما قاسمه إبليس على النصح؟

قال: إنما كان ذلك منه صلى الله عليه طمعا أن يبقى لطاعة الله ولعبادته، فأراد أن يزداد بذلك قربة من ربه.

قلت: فما معنى قوله: { فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما } [طه: 21] ؟

قال: معنى قوله:{ بدت لهما سوءاتهما } [طه:121] فهو سوء فعلهما، لا كما يقول من جهل العلم وقال بالمحال، إن الله كشف عورة نبيه وهتكه، وكيف يجوز ذلك على الله في أنبيائه، والله لا يحب أن يكشف عورة كافر به، فكيف يكشف عورة نبيه.

قلت: فقوله:{ ينزع عنهما لباسهما } [الأعراف: 27]؟

فقال: قد اختلف في ذلك، ورويت فيه روايات، وأصح ما في ذلك عندنا، والذي بلغنا عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن لباسهما هو لباس التقوى والإيمان، لا ما يقول به الجاهلون من أنه لباس ثياب، أو ورق من ورق الشجرة، فهذا معنى قوله: { ينزع عنهما لباسهما } [الأعراف:27]، وإنما أراد بذلك من قوله لباسهما أي لباس التقوى بما سول ووسوس لهما من الكذب، والمقاسمة التي سمعها منه.

Page 605