الْبَاب الأول فِيمَا يُقَارب الإعجاز من إيجاز البلغاء وسحرة الْكتاب وَغَيرهم أَبُو عبد الله: كَاتب الْمهْدي " خير الْكَلَام مَا قل وَدلّ وَلم يمل ". وَكَانَ يَقُول عقول الرِّجَال تَحت أسنة أقلامهم. وَمن بارع كَلَامه: حسن الْبشر علم من أَعْلَام النجح. يحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي: " مَا رَأَيْت باكيا أحسن ضحكا من الْقَلَم ". وَكَانَ يَقُول: الصّديق إِمَّا أَن ينفع وَإِمَّا أَن يشفع. وَمن غرر كَلَامه: المواعيد شباك الْكِرَام يصيدون بهَا محامد الْأَحْرَار. إِسْمَاعِيل بن صبيح: لم أَقرَأ وَلم أسمع فِي الْجمع بَين الشُّكْر والشكاية فِي فصل قصير أحسن وأظرف وأبلغ وأوجز مِمَّا كتب إِلَى يحيى بن خَالِد فِي شكر: مَا تقدم من إحسانك شاغل عَن استبطاء مَا تَأَخّر مِنْهُ. وَمَا زلت أتطلب هَذَا الْمَعْنى فِي الشّعْر حَتَّى وجدته لأبي الطّيب المتنبي فِي قَوْله: وَإِن " فارقتني " أمطاره ... أَكثر غدرانها مَا نضب

1 / 7

أنس بن أبي شيخ لم أَقرَأ وَلم أسمع فِي الْوِصَايَة والعناية أبلغ وأوجز مِمَّا كتب إِلَى عبد الله بن مَالك الْخُزَاعِيّ فِي معنى صديق لَهُ " كتابي كتاب واثق بِمن كتب إِلَيْهِ معنى بِمن كتب لَهُ وَلنْ يضيع حامله بَين الثِّقَة والعناية - وَالسَّلَام ". وَمثله لمُحَمد بن يزْدَاد: إِلَى عبد الله بن طَاهِر موصل كتابي إِلَيْك أَنا وَأَنا أَنْت فَانْظُر كَيفَ تكون لَهُ. عَمْرو بن مسعده: كتب إِلَى الْمَأْمُون كتابي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمن قبلي من الأجناد والقواد فِي الطَّاعَة والانقياد على أحسن مَا يكون عَلَيْهِ طَاعَة جند تَأَخَّرت أَرْزَاقهم واختلت أَحْوَالهم. فَلَمَّا قَرَأَهُ الْمَأْمُون قَالَ لِأَحْمَد بن يُوسُف: لله در عَمْرو مَا أبلغه، أَلا ترى يَا أَحْمد إِلَى ادماجه الْمَسْأَلَة فِي الْإِخْبَار، وإعفائه سُلْطَانه عَن الْإِكْثَار. أَحْمد بن يُوسُف: كتب إِلَى صديق لَهُ يَدعُوهُ: " يَوْم الإلتقاء قصير فأعن عَلَيْهِ بالبكور ". كتب إِلَى الْمَأْمُون مَعَ هَدِيَّة: قد أهديت إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ قَلِيلا من كَثِيره عِنْدِي. وَمن كَلَامه: بالأقلام تساس الأقاليم. وَقَالَ: لما أَمرنِي الْمَأْمُون بِالْكِتَابَةِ إِلَى الْآفَاق فِي الإستكثار من الْقَنَادِيل فِي شهر رَمَضَان لم أدر كَيفَ أكتب، فآتاني آتٍ فِي الْمَنَام وَقَالَ لي أكتب: فَإِن فِيهَا أنسا للسابلة، وضياء للمتهجدين، وتنزيهًا لبيوت الله من وَحْشَة الظُّلم ومكامن الريب. الْحسن بن سهل " عجبت لمن يَرْجُو من فَوْقه كَيفَ يحرم من دونه ". وَقيل لَهُ: لَا خير فِي السَّرف، فَقَالَ: لَا سرف فِي الْخَيْر - فَرد اللَّفْظ وَاسْتوْفى الْمَعْنى. وَكَانَ يَقُول: لَا يصلح للصدر إِلَّا وَاسع الصَّدْر. وَمن كَلَامه: الْأَطْرَاف منَازِل الْأَشْرَاف، يتناولون مَا يُرِيدُونَ بِالْقُدْرَةِ، ويقصدهم من يريدهم للْحَاجة. مُحَمَّد بن عبد الْملك: كَانَ يَقُول: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ صنعني صَنِيعَة تفرد، نقلني من ذل التِّجَارَة إِلَى عز الوزارة. وَكتب إِلَى عبد الله بن طَاهِر: قطعت كتبي عَنْك قطع إجلال لَا

1 / 8

قطع إخلال. وَكتب كتابا لَهُ، قَالَ فِي فصل مِنْهُ: وَلَو لم يكن فِي فضل الشُّكْر إِلَّا أَنه لَا يرى إِلَّا بَين نعمتين حَاضِرَة ومنتظرة. ثمَّ قَالَ لِابْنِ الْأَعرَابِي: كَيفَ تراهما يَا أَبَا عبد الله؟ قَالَ: أحسن من قرطي در وَيَاقُوت بَينهمَا وَجه حسن. معقل بن عِيسَى كتب إِلَى أَخِيه أبي دلف فِي معنى أبي تَمام. يَا أخي! إِنَّه لِسَان الزَّمَان، فَإِن لم تغلب عَلَيْهِ بِفَضْلِك غلبك عَلَيْهِ فضل غَيْرك؛ فَقَالَ أَبُو دلف: مَا أحسن مَا نبهني أخي على الْمَكْرُوه فِي بَابه وَفضل عَليّ أبي تَمام بِكَلَامِهِ. أَبُو إِسْحَاق النظام: وصف الزّجاج فَأخْرجهُ فِي كَلِمَتَيْنِ بأوجز لفظ وأوضح معنى حَيْثُ قَالَ: يسْرع إِلَيْهِ الْكسر ويبطيء عَنهُ الْجَبْر. وَكتب إِلَى بعض الرؤساء يستميحه: إِن الدَّهْر قد كلح وطمح وجمح وجرح وأفسد مَا أصلح، فَإِن لم تعن عَلَيْهِ فَضَح. أَبُو عُثْمَان الجاحظ وصف الْفروج فَقَالَ: يخرج كاسيًا كاسبا. وَذكر الْحَيَوَانَات فَقَالَ: سُبْحَانَ من جعل بَعْضهَا عَلَيْك عاديًا وَبَعضهَا لَك غاديًا. وَوصف الْكتاب فَقَالَ: وعَاء ملىء علما وظرف حشي ظرفا، إِن شِئْت كَانَ أعيا من بَاقِل، وَإِن شِئْت كَانَ أبلغ من سحبان وَائِل، وَمن لَك ببستان يحمل فِي كم وروضة تقلب فِي حجر، ينْطق عَن الْمَوْتَى، ويترجم عَن كَلَام الْأَحْيَاء. الْعَبَّاس بن الْحسن بن عبد الله الْعلوِي: من كَانَ كُله لَك كَانَ كُله عَلَيْك. وَهَذَا كَلَام متنازع فِيهِ لفرط حسنه وجودته. مُحَمَّد بن سبالة: كتب إِلَى صديق لَهُ يستقرضه، فَأجَاب بالإعتذار وَوصف الْإِضَافَة، فَكتب إِلَيْهِ: إِن كنت كَاذِبًا فجعلك الله صَادِقا، وَإِن كنت ملوما فجعلك مَعْذُورًا. سعيد بن حميد الْكَاتِب: كتب إِلَى ابْن مكرم يَدعُوهُ إِلَى مجْلِس

1 / 9

أنسه: طلعت النُّجُوم تنْتَظر بدرها، فرأيك فِي الطُّلُوع قبل غُرُوبهَا. أَبُو عبد الله ثوابة: ذكر صاعد بن مُحَمَّد فَقَالَ: ذَاك وَزِير لَا يفضل ظله عَن شخصه. وَكتب إِلَى صديق اللَّيْل: مَا زادك بعْدك عني إِلَّا قربًا من قلبِي. وَكتب يَسْتَدْعِي صديقا لَهُ: نَحن بَين قدور تَفُور وكؤوس تَدور وَلَا يتم إِلَّا بك السرُور، فانعم بالحضور. عَليّ بن مُحَمَّد الْفَيَّاض: كتب إِلَى ابْن أبي الْبَغْل وَقد ولى على الأهواز وَصرف ابْن أبي الْبَغْل بِهِ، وَهُوَ أحسن وأبلغ وأظرف وَأكْرم مَا كتب صَارف إِلَى معروفه: قد قلدت الْعَمَل بناحيتك فهناك الله بتجدد ولايتك وأنفذت خليفتي بخلافتك، فَلَا تخله من هدايتك إِلَى أَن يمن الله بتيسير زيارتك. فَأَجَابَهُ ابْن أبي الْبَغْل بِمَا لَا يدْرِي أَيهمَا أبلغ وَأحسن: مَا انْتَقَلت عني نعْمَة صَارَت إِلَيْك وَلَا غربت عني مرتبَة طلعت عَلَيْك وَإِنِّي لأجد صرفي بك ولَايَة ثَانِيَة وصلَة من الْوَزير وافية لما أرجوه بمكانك من الْعَافِيَة وَحسن الْعَاقِبَة. أَبُو الْعَبَّاس ابْن الْفُرَات: كتب إِلَى الْعَبَّاس بن الْحسن: إِن رَأَيْت أَن تكرمني بآمرك ونهيك، فَأَما سلامتك فَهِيَ أجل من أَن تخفى على أحد. مُحَمَّد بن مهْرَان: كتبت إِلَى الموسوم بالأمانة الْبعيد عَنْهَا فِي حَاجَة أقل من قدره وَقِيمَته، فردني عَنْهَا بأقبح من خلته. عبد الله بن المعتز: قد رخصت الضَّرُورَة فِي الإلحاح، وَأَرْجُو أَن تحسن الظَّن كَمَا أَحْسَنت الإنتظار. وَله: فلَان لَو أمهلته حَالَة لأمهلك لَكِن أعجلته فأعجلك، فأعنه بِشَيْء يكون مَادَّة لِصَبْرِهِ عَلَيْك، فأقم رغبته إِلَيْك مقَام الْحُرْمَة بك. وَله: حَالي مرقعة فَإِن تحركت بهَا تمزقت. وَله: رُبمَا أدَّت الشكوى إِلَى الْفرج وَكَانَ الصمت من أوكد

1 / 10

أَسبَاب العطبة. وَله: قلبِي نجى ذكرك ولساني خَادِم شكرك، وَإِذا صحت الْمَوَدَّة كَانَ بَاطِنهَا أحسن من ظَاهرهَا. وَمن غرر آدابه وَحكمه: أهل الدُّنْيَا كصور فِي صحيفَة، إِذا طوي بَعْضهَا نشر بَعْضهَا. وَمِنْهَا: بشر مَال الْبَخِيل بحادث أَو وَارِث وَمِنْهَا: الْبشر دَال على السخاء كَمَا أَن النُّور دَال على الثَّمر. وَمِنْهَا: مَا أَدْرِي أَيّمَا أَمر موت الْغَنِيّ أم حَيَاة الْفَقِير؟ وَمِنْهَا: إِذا صحت النِّيَّة وتأكدت الثِّقَة سَقَطت مُؤنَة التحفظ. وَمِنْهَا: الزّهْد فِي الدُّنْيَا الرَّاحَة الْعُظْمَى. أَبُو الْفضل بن العميد: من أسر داءه وكتم ظمأه بعد عَلَيْهِ أَن يبل من علله ويبل من غلله. وَله: خير القَوْل مَا أَغْنَاك جده، وألهاك هزله. وَله: الْعَاقِل من افْتتح فِي كل أَمر خاتمته وَعلم من بَدْء كل شَيْء عاقبته. وَله: الْمَرْء أشبه شَيْء بِزَمَانِهِ وصف كل زمَان منتسخة من سجايا سُلْطَانه. ابْنه أَبُو الْفَتْح: ذُو الكفايتين - كتب فِي صباه إِلَى أبي سعد الواذاري: قد انتظمت يَا سَيِّدي فِي رفْقَة كسمط الثريا فَإِن لم تحفظ علينا النظام بإهداء المدام كُنَّا كبنات نعش وَالسَّلَام. أَبُو سعد الواذاري: كتب إِلَى أبي الْفضل بن العميد: أَنا أيد الله الْأُسْتَاذ الرئيس، سلمَان بَيته وَأَبُو هُرَيْرَة مَجْلِسه وَأنس خدمته وبلال دَعوته وَحسان مدحته. الصاحب أَبُو الْقَاسِم بن الْعباد: لما رَجَعَ من الْعرَاق سَأَلَهُ ابْن العميد عَن بَغْدَاد، فَقَالَ: هِيَ فِي الْبِلَاد كالأستاذ فِي الْعباد. وَذكره بعض الْفُقَهَاء وَعدا كَانَ وعده إِيَّاه، فَقَالَ: وعد الْكَرِيم ألزم من دين الْغَرِيم. وَوصف كذوبًا فَقَالَ: الفاختة عِنْده أَبُو ذَر وَقَالَ فِي وصف الْحر: وجدت حرا يشبه قلب الصب ويذيب دماغ الضَّب. وَكتب فِي الاستزارة: نخن فِي مجْلِس قد أَبَت راحه أَن تصفو إِلَّا أَن تتناولها يمناك، واقسم غناؤه

1 / 11