ـ[كشف غياهب الظلام عن أوهام جلاء الأفهام]ـ المؤلف: سليمان بن سحمان الناشر: أضواء السلف الطبعة: الأولى عدد الأجزاء: ١ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

Unknown page

مقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ﷺ، وعلى آله وأصحابه، صلاة دائمة إلى يوم الدين. أما بعد، فإني رأيت نبذة ألفها رجل من أهل الشام يقال له "أحمد باشا العظمي" سلك فيها مسلك أهل الغواية والضلالة، ونهج فيها مناهج أهل الغباوة والجهالة، وأكثر فيها من الهمط بالكذب والظلم والعدوان، وقلد فيما يحكيه أهل الفرية والبهتان، وبسط لسانه بالوقاحة والهذيان، وعام في بحر الشبهات والشكوك والطغيان، وهام في أودية الجهالة والضلالات، وتاه في مهامه تلك الفلوات، بما لفق فيها من الهمط والخرط والتمويهات، وخزعبلات ذي الشقاشق والترهات، التي لا يصغى إليها إلا القلوب المقفلات ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًَا فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ وقد أقذع هذا الشامي في مسبة شيخ الإسلام وعلم الهداة الأعلام من أرشد الله تعالى بدعوته كثيرًا من العباد، وأهلك من رد عليه ذلك، وناد، فلم يوفق لدعوة المرشد إلى الرشاد المقيم من السنة لأحبها ونهجها، المقوم مائلها ومعوجها، ناهج منهج الصواب، الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-، ومن حكمته سبحانه أن يبتلي خيار هذه الأمة بشرارها، ومؤمنيها بفجارها، وعلمائها بجهالها؛ وهذه سنة الله التي خلت من قبل، وامتحانه الذي يظهر به ميزان الترجيح

1 / 3

والعدل، وتتم به نعمته على أهل العلم والفضل، ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ فكان السبب الداعي إلى تحامل هؤلاء الضلال، وما لفقوه من الأكاذيب المخترعة والأوضاع المقترحة المبتدعة العضال، ما خصه الله ومنحه إياه من الدعوة إلى توحيد الله من بيان ما تستلزمه هذه الشهادة وتستدعيه وتقتضيه من تجريد المتابعة والقيام بالحقوق النبوية من الحب والتوقير والنصر والمتابعة والطاعة وتقديم سنته ﷺ كل سنة وقول، والوقوف معها حيث ما وقفت، والانتهاء حيث انتهت، في أصول الدين وفروعه، باطنه وظاهره، خفيه وجليه، كلية وجزئية، فلما اشتهر هذا منه، وظهر بذلك فضله، وتأكد علمه ونبله، وأنه سباق غايات وصاحب آيات، لا يشق غباره، ولا تدرك في البحث والإفادة آثاره، حسده أعداء الله ورسوله، حيث لم يدركوا هذه الفضيلة، ولم يصلوا إلى هذه المنقبة الجليلة، فرموه بهذه الشنعات الرذيلة وشمروا له عن ساق العداوة بكل مقدور وحيلة، فأبى الله إلا أن يظهر دينه على يد هذا الإمام، وأن ينصره على من ناوأه من سائر الأنام، وأن يظهر به شعائر الإيمان والإسلام، وأن أعداءه ومنازعيه، وخصومه في الفضل وشانئيه، يصدق عليهم المثل السائر، بين أهل المحابر والدفاتر: حسدوا الفتى إذا لم ينالوا سعيه ... فالناس أعداء له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدًا وبغيًا إنه لدميم

1 / 4

وله ﵀ في المناقب والمآثر، ما لا يخفى أهل الفضائل والبصائر، فلما اختصه الله بهذه الكرامة تسلط أعداء الدين، وخصوم عباد الله المؤمنين، على مسبته والتعرض لبهته وعيبه، قال الشافعي رحمه الله تعالى: "ما أرى الناس ابتلوا بشتم أصحاب رسول الله ﷺ إلا ليزيدهم الله بذلك ثوابًا عند انقطاع أعمالهم" وأفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر؛ وقد ابتلينا من طعن أهل الجهالة والسفاهة بما لا يخفى، ولما رأيت ما في هذه النبذة من البهت والكذب والزور، والكفر والزندقة والفجور، مما تنفر عنه طباع المؤمنين، وتستك عند ذلك أسماع الموحدين، استعنت الله تعالى على رد أباطيله؛ على وجه الاختصار والاقتصار، وترك ما لا يتعلق بنا من مباحثه وتفاصيله، إذ القصد بالأصالة بيان ما كان عليه شيخنا رحمه الله تعالى من الدعوة إلى دين الله ورسوله، وترك عبادة ما سواه، وتجريد متابعته الرسول ﷺ في كل أمره به ونهي عنه، وتقديم قوله على من خالفه كائنًا من كان، ونفي ما لفقه هؤلاء الجهلة المفترون، من الأكاذيب المخترعة، والأقوال المفترعة، التي لا يحكيها عن الشيخ إلا من أعمى الله بصيرة قلبه، وكان له نصيب وافر من قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ والله المسؤول المرجو الإجابة، أن يجزل لنا الإثابة، وأن يمدنا بمعونته وتوفيقه للإصابة، فهو حسبنا ونعم الوكيل. فصل: قال الملحد المعترض: أما بعد أيها الإخوان المتلقبون بالمتنورين، أراكم تدعون الناس لبدعة الاجتهاد في الدين وغيرها من البدع التي جرت دعاتها قبلكم إلى ما لا نرضاه لكم، زين لهم الشيطان أعمالهم فظنوا أنهم من

1 / 5

المهتدين. نحن وأنتم متفقون بالشهادتين، مقرون بالأركان لا نختلف بأصول الإيمان، ولا ننكر أركان الإسلام، غير أننا نقول بالمحكم، ونرجع إليه، وأنتم تتبعون المتشابه وتعولون عليه، نحن نحتاط بما لا نرتاب، وأنتم لا تخرجون مما يريب، نحن ننتمي الإجماع والجماعة وأنتم تترخصون بالإنفراد والتأويل بالرأي، قمتم بعد أن ذهب الله بزعمًا. تلك المذاهب والنحل، وانتشرتم بعد أن طوى دعاة تلك البدع تدعون الناس لما لا ينفعهم في الدنيا، ولا ينجيهم في الآخرة إلى آخر ما حكاه من الهذيان العاري عن التحقيق، بل هو ليس على منهج مستقيم ولا على أقوم طريق. والجواب: ومن الله أستمد الصواب. إنا لا ندري ولا نعرف من هؤلاء المتلقبون بالمتنورين، فإذا كانوا على منهج قويم وصراط مستقيم، وعلى خلاف ما عليه أصحاب الجحيم، وكانوا متمسكين بدين الله ورسوله، متشرعين به داعين إليه، فسيجيبونكم على هذه الخرافات، وينفون ما تنسبون إليهم من هذه الترهات، التي لا يصغي إليها إلا القلوب المقفلات، ويتحلى بها أهل الجهالة والضلالات، وإن كانوا على غير ذلك فلا حاجة بنا إلى الجواب عنهم، وحسبنا أن نجيب على ما تنسبون إلينا من هذه المفتريات، وما تلبسونه به الحق بالباطل منن تلك الضلالات، وعلى ما تنتحلونه من البدع والمكفرات، وتدعون أن ذلك هو دين الله ورسوله، من غير إقامة حجة، ولا إيضاح محجة، وإنما تعتمدون في ذلك على أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرًا وضلوا عن سواء السبيل، وهم قد نهجوا في تلك الطريق منهجًا وعرًا، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وأتوا زورًا وبهتانًا وهجرًا وزين لهم الشيطان أنهم ينالون بذلك أجرًا، ويحوزون به عزًا وفخرًا، فأركبهم مراكب الأسلاف قسرًا، وأمطى كواهلهم في ذلك السنن قهرًا، وحسن لهم أن الآباء بحقيقة الحق أدرى،

1 / 6