الجمع بين الصحيحين تأليف الإمام الحافظ أبي محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي (المتوفى سنة ٥٨٢ هـ) اعتنى به حمد بن محمد الغماس تقديم الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجمع الفقه الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء دار المحقق

Unknown page

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تقديم فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجمع الفقه الإسلامي، وعضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فنشهد أن سنَّة النبي ﷺ وهذا الكتاب من معينها: وحْيٌ من الله، وتنزيل من الله، دين يدان به الله ﷾، بلَّغها النبي ﷺ أمته بلسان عربي معصوم لم يعرف إلا الأفصح من لسان العرب -بله الفصيح- لسان مبارك ينطق عروبة غضة طرية في حروفها، وكلماتها، وجملها، على وجهٍ لم تداخله أنفاس العجم -وحاشاه-، مُسْنَدًا لم يدب إليه ضعف فما دونه من نفثات "رَتَنٍ" ومن والاه. فهي بحق لأمة الإجابة صحائف دين، ولغة، وبيان، وفصاحة، وبلاغة، فَشَرَفٌ عظيم لهذه الأمة، احتضان علمائها الهداة لهذا الرصيد العظيم، والسند المتين لها فِي دينها في حياتها، والذخيرة النافعة لها بعد مماتها. لذا تعددت مسالك علمائها في خدمتها، وتقريبها. وكان من وجوه التأليف فيها، الجمع بين أحاديث ذروة سنامها من

مقدمة / 1

صحيحي العَلَمَين المباركين: البخاري، ومسلم -رحمهما الله تعالى-، بداية من الجوزقي المتوفي سنة ٣٨٨ هـ -رحمه الله تعالى- في كتابه "الجمع بين الصحيحين"، ثم ابن عبيد الدمشقي المتوفي سنة ٤٠١ هـ، ثم ابن الفرات المتوفي سنة ٤١٤ هـ، والقرَّاب المتوفي سنة ٤١٤ هـ، ثم البرقاني المتوفي سنة ٤٢٥ هـ، ثم الحميدي المتوفي سنة ٤٨٨ هـ، وهكذا في آخرين من المشرق والمغرب، حتى وصلت النوبة إلى حافظ المغرب في زمانه عبد الحق الإشبيلي المتوفي سنة ٥٨٢ هـ -رحم الله الجميع- إذ تعرض هذا الحافظ إلى الصحيحين، فجمع نَفْسَهُ، وأَحْضَر آليات الجمع والترتيب، على ما بسط في مقدمته، مما يدل على أنه لَقِيَ الألاقي، والعنَاءَ الْمُعَنِّي، مُنْبِئَةً عَن علم متين، وحِسٍّ رقيق، واحتساب عظيم، وكأنما لسان حاله يقول: وفي سبيل الله ما لاقيت ولهذا ظَفرَ بثناء مَن بعده من الْحُفاظ عليه، شرقًا، وغربًا، شامًا، وعراقًا، ومصرًا، منهم: العراقي، والذهبي، وابن ناصر الدين، وغيرهم، ممن جرى ذكر كلمات بعضهم في مقدمة التحقيق. وقد اتخذ -رحمه الله تعالى- صحيح مسلم أصلًا، يضم إليه روايات البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه؛ لأسباب ذكرها في مقدمته، لا للمذهب السائد لدى المغاربة من تفضيل "صحيح مسلم" على "صحيح البخاري". والآن هذا طالب علم من الأزد، من أرض القصيم، أرض الغَضَى

مقدمة / 2

والقيصوم، قال الفيروز آبادي المتوفي سنة ٨١٧ هـ. -رحمه الله تعالى- في فاتحة قاموسه: "الحمد لله منطق البلغاء باللُّغى في البوادي، ومودع اللسان أَلْسَنَ اللُّسن الهوادي، ومخصص عروق القيصوم، وغَضَى القصيم بما لم يَنَلْهُ العَبْهَرُ والجادي ... ". فجمع هذا الشيخ الموفق بين طِيبِ المنبت نسبًا، وأرضًا، وحسن الاختيار في إخراج هذا الكتاب: "الجمع بين الصحيحين" للحافظ الإشبيلي، من ضيق المخطوطات إلى سعة المطبوعات، إسهامًا في نشر هذا الدين، وتعليمًا للمسلمين، فأحيا الله به هذا الأثر النفيس، وأعاد -أحسن الله إليه- التحقيق إلى خُطَّته التي اختطّها شيوخ هذا الشأن. فمقدمة التحقيق مع إيجازها، مسبوكة بطريقة تُوقف الناظر فيها على هذا الكتاب، فيحيط به علمًا. وتثبيت النص، وتبيان الفروق، هو عمدته في التحقيق والإخراج، وهو المقصد الأساس من التحقيق. وتحشيته بتعليقات تُرْشِد الناظر فيه إلى مواطن الحديث عند من خرّجه، وشرح غريبه بكلمات هي "برقيات" توضح المراد من غير إسهاب ولا إثقال، وهكذا. وختامًا، فهذا العِلْقُ النفيس جدير بحفاوة أهل العلم، وطلابه، والخاصة والعامة، وأن يكون للمسلم سميرًا وهجيرًا، يعاهد نفسه. بما فيه من أنوار الوحي ومشكاة النبوة، حتى يمتلئ قلبه بالعلم والإيمان وجوارحه بالعمل.

مقدمة / 3

وليكون أساسًا أمام المتخصص بعلم الحديث للإضافة والاستدراك. غفر الله لمؤلفه، ونفع الله المسلمين بكتابه، وشكر الله لأخينا في الله الشيخ / حمد بن محمد الغَمَّاس إخراج هذا الكتاب، وإِنَّ الدَّالَّ على الخير كفَاعِلِه، وندعو الله لنا وله بالعلم النافع والعمل الصالح. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى صحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. بقلم بكر بن عبد الله أبو زيد في صيف ١/ ٥ / ١٤١٩ بالطائف

مقدمة / 4