ـ[إثبات صفة العلو]ـ المؤلف: عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المحقق: أحمد بن عطية بن علي الغامدي الناشر: مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى، ١٤٠٩هـ / ١٩٨٨م عدد الأجزاء: ١ [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]

Unknown page

المقدمة (رب يسر وأعن بمنك ورحمتك) (١) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي علا في سمائه، وجلا باليقين قلوب أوليائه، وخار لهم في قدره وبارك لهم في قضائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مؤمن بلقائه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه. أما بعد: فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء، ووصفه بذلك محمد خاتم الأنبياء، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة من الفقهاء، وتوارترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين، وجمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين، وجعله مغروزا في طباع الخلق أجمعين، فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم، ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم (٢)، وينتظرون مجيء الفرج من ربهم، وينطقون بذلك بألسنتهم لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته، أم مفتون (بتقليده) (٣) واتباعه على ضلالته، وأنا ذاكر في الجزء بعض بلغني من الأخبار في ذلك عن رسول الله ﷺ، وصحابته والأئمة (المقتدين) (٤) بسنته على وجه يحصل القطع واليقين بصحة ذلك عنهم، ويعلم تواتر الرواية بوجوده منهم، ليزداد من وقف عليه (٥) من المؤمنين إيمانا وينتبه من خفي عليه ذلك، حتى يصير كالمشاهد له عيانا، ويصير للمتمسك بالسنة حجة وبرهانا. واعلم -رحمك الله- أنه ليس من شرط صحة التواتر الذي يحصل به اليقين _________ (١) من (هـ) و(ر) . (٢) وهو دليل الفطرة التي سبق إيضاحه. (٣) في (هـ) و(ر) بتقليد، وأضفت الهاء من (م) . (٤) في (م) (المتقدمين) . (٥) من أول الكلام إلى هنا لا يوجد في الأصل.

1 / 63

أن يوجد عدد التواتر في خبر واحد، بل متى نقلت أخبار كثيرة في معنى واحد من طرق يصدق بعضها بعضا، ولم يأت ما يكذبها ويقدح فيها، حتى استقر ذلك في القلوب (واستيقنته) (١)، فقد حصل التواتر، وثبت القطع واليقين، (فإننا) (٢) نتيقن جود حاتم، وإن كان لم يرد بذلك خبر واحد مرضي الإسناد، لوجود ما ذكرنا، وكذلك عدل عمر، وشجاعة علي وعلمه، وعلم عائشة وأنها زوج رسول الله ﷺ وابنة أبي بكر، وأشباه هذا، لا يشك في شيء من ذلك، ولا يكاد يوجد تواتر إلا على هذا الوجه، فحصول التواتر واليقين في مسألتنا مع صحة الأسانيد، ونقل العدول المرضيين، وكثرة الأخبار وتخريجها (فيما) (٣) لا يحصى عدده، ولا يمكن حصره من دواوين الأئمة والحفاظ، وتلقي الأمة لها بالقبول (وروايتهم لها) (٤) من غير معارض يعارضها، ولا منكر (ممن يسمع) (٥) منه لشيء منها أولى، سيما وقد جاءت على وفق ما جاء في القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش﴾ في مواضع من كتابه (٦)، وقال تعالى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ في موضعين (٧)، وقال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّب﴾ (٨)، وقال سبحانه: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ _________ (١) في (م) (واستيقنت) . (٢) هكذا في الأصل، وفي بقية النسخ (فإنا) . (٣) في الأصل (ما) . (٤) ما بين القوسين ساقط من النسخ الأخرى. (٥) في (ر) و(هـ) (لمن يسمع) . (٦) هذه المواضع خمسة في سورة الأعراف آية (٥٤)، وفي سورة يونس آية (٣)، وفي سورة الرعد آية (٢)، وفي سورة الفرقان آية (٥٩)، وفي سورة السجدة آية (٤) . (٧) سورة الملك آية (١٦-١٧) . (٨) سورة فاطر آية/ ١٠.

1 / 64

إِلَيْهِ﴾ (١)، وقال تعالى: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه﴾ (٢)، وقال لعيسى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَي﴾ (٣)، وقال تعالى: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ (٤)، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ (٥)، وقال ﷾: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ (٦)، وأخبر عن فرعون أنه قال: ﴿يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾ (٧)، يعني أظن موسى كاذبا (في أن الله إلهه في السماء) (٨)، والمخالف في هذه المسألة (قد أنكر هذا) (٩) يزعم أن موسى كاذب في هذا بطريق (القطع) (١٠) واليقين، مع مخالفته لرب العالمين، وتخطئته لنبيه الصادق الأمين، وتركه منهج الصحابة والتابعين، والأئمة السابقين، وسائر الخلق أجمعين (١١) . نسأل الله تعالى أن يعصمنا من البدع برحمته، ويوفقنا لاتباع سنته. _________ (١) سورة السجدة آية/ ٥. (٢) سورة المعارج آية/ ٤. (٣) سورة آل عمران آية/ ٥٥. (٤) سورة النساء آية/ ١٥٨. (٥) سورة الأنعام آية/ ١٨. (٦) سورة النحل آية/ ٥٠. (٧) سورة غافر آية/ ٣٦-٣٧. (٨) هكذا في الأصل، وفي بقية النسخ (في أنه له إلها في السماء) . (٩) ما بين القوسين لا وجود له في غير الأصل. (١٠) كلمة (القطع) لا توجد في الأصل. (١١) يريد الإمام ابن قدامة أن التكذيب بأن الله في السماء سبق إليه فرعون حين كذب موسى ﵇ حين دعاه إلى الإيمان بالله تعالى، وأن الله في السماء، ومن قال بقول فرعون من هذه الأمة، فقد كذب موسى ﵇ قطعا، فضلا عن تكذيبه لرب العالمين، الذي أخبر عن نفسه بأنه في السماء بشتى الدلالات، وفيه تكذيب لرسول الله ﷺ، وهجر لمنهج الصحابة والتابعين والأئمة السابقين، وسائر الخلق أجمعين، وهو بهذا يشير إلى ما قرره العلماء من أن الإيمان بأن الله في السماء أمر فطري، جبل عليه الخلق جميعا. وقد تقدم إيضاح دليل الفطرة الذي أشار إليه. وقد نسب الإمام ابن القيم من حرف نصوص العلو، من أجل أن يوافق هواه في النفي إلى فرعون، لأنه من حزبه، وهو إمامه في ذلك، وإمام كل مكابر جاحد. انظر: الصواعق المنزلة ١/١٠٧، ويقول الإمام ابن تيمية: (... وفرعون هو إمام النفاة، ولهذا صرح محققوا النفاة بأنهم على قوله، كما يصرح به الاتحادية من الجهمية النفاة، إذ هو أنكر العلو، وكذب موسى فيه، وأنكر تكليم الله لموسى) . مجموع الفتاوى ٥/١٧٢. وتأويلات المؤولين تحريف صريح، حقيقته النفي المحض، لمخالفته النقل والعقل معا، لأن لازم قولهم أن القرآن والسنة لم يخبرا إلا بما يفيد الضلال، وأن عقولهم أهدى لهم من وحي الله. كبرت كلمة تخرج من أفواههم.

1 / 65

«ذِكْرُ الأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ» (١) ١- أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْمُقَرِّبِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْكَرْخِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ (يَوْمَئِذٍ) (٢) [قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ السَّرَّاجُ الْقَارِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ] (٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ (عُبَيْدُ اللَّهِ) (٤) بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَاتِمٍ السِّجْزِيُّ الْوَايِلِيُّ بِمَكَّةَ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ (بْنِ مُحَمَّدٍ) (٥) الْمُهَلَّبِيُّ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ بِلَالٍ الْبَزَّازُ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ (مِنْ سُفْيَانَ) (٦) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ (أَبِي) (٧) قَابُوسٍ مَوْلًى _________ (١) هذا العنوان لا يوجد في الأصل. (٢) كلمة (يومئذ) لا توجد في النسخ الأخرى. (٣) ما بين القوسين لا يوجد في (هـ) . (٤) في (م) و(ر) (عبد الله)، وهو خطأ. (٥) (بن محمد) لا يوجد إلا في الأصل. (٦) كذا في الأصل وفي (م)، وفي بقية النسخ (منه) . (٧) في (م) (ابن) .

1 / 66