الانتخاب لكشف الأبيات المشكلة الإعراب

1 / 1

بسم الله الرحمن الرحيم رب يسّر يا كريم قال الشيخ الإمام العالم الأوحد، تاج الأدب وحجّة العرب، فريد دهره ونسيج وحده، عفيف الدين أبو الحسن عليٌّ بن عدلان بن حماد بن عليّ الموصليّ أمتع الله بحياته: الله أحمد على أن كرّمنا كما خيّرنا وفضّلنا بالألسنة الناطقة حين صوّرنا بمبعث محمدٍ، صلوات الله عليه وسلامه، إلى الحمراء والسوداء، ومفضله على ساكني الغبراء والخضراء، ومهلك كلّ جانحٍ عن سنن شريعته الزاهرة، ومبيد المنحرف عن لألاء براهينه القاهرة، ومشرّفه بالكتاب العربيّ الذي أعجز الفصحاء حسن نظامه، وأفحم البلغاء بديع إحكامه، وموكلّ فهم أسراره المصونة إلى الأدباء المتفحصين عن دقائق كلام العرب ومعانيه، والباحثين عن حقائق غوامضه، ومبانيه، فحين علموا شرف اللغة العربية آثروا صونها عن التخليط والتحريف، وفرقوا بين تعذير المترص منها بالضعيف، فوضعوا كتب اللغة المنقولة عن أبيات العرب مانعةً من اضطراب المسميّات في إطلاق المطلقين، وألفوا كتب النحو على اختلاف حلى كلمها الفارقة بين المعاني المتعلجة في صدور المتكلمين، وصنّفوا كتب التحريف حافظةً لمباني تلك الكلم المترددة بين المتحاورين. كلّ ذلك اهتمامًا بحفظ محاسن اللغة المشّرف مقدارها، المرفوع منارها، ففضلها بارز لا يدفع وخصلها الشافي لا يبرقع، فما ندبت أن نصب الزمان منابه ... . إذ أودى بها وحرّفها، وما فتئ الدهر حتى أناخ كلكله على جلابيب وجهها فخّرقها، وهي مع ذلك موادّ العلوم ومدارها لانحصار تحصيل المعاني في الخطاب اللساني والنطق البياني، فكم من غاضٍّ لها وغاضٍّ عليها، وماصعٍ لأديمها وماصعٍ لقويمها، وافتقاره إليها افتقار المحرص إلى زوال حرصه، فهي كالمثل السائر: (الشّعير يؤكل ويذم) .

1 / 15

ولعلمي برغبة المولى الأجلّ، السّيد الكبير العالم، عز الدين، شرف الإسلام، عمدة الملوك والسلاطين، مجد الحضرتين، فريد دهره أبي الحسن علي بن مبادر، وإلى الله عليه نعمه وأجزل لديه منها قسمة في العلوم على اختلاف أنواعها وتباين أوضاعها، وشدة اهتمامه بكشف حجاب الغفلة عن شريف علم العربية خاصًّا لغوصه في عباب بحره واستخلاصه فائق درّه. وسمت كتابي هذا بخدمة خزانته العالية رجاء أن يقع عليه نظره الشريف ولمحه اللطيف فيحلى بعينه وقلبه وتفضله على جل لجل كتبه، لأقضي حقوقه السالفة والآنفة، وأشكر نعمه التالدة والطارفة ... الله ... بعونه لشكر أياديه. وخصصت هذا الكتاب بالأبيات المشكلة الإعراب، ورتبته على حروف العجم، فذكرت من كلّ حرفٍ أبياتًا إلى آخر الحروف، ولم أطل الكلام بالشواهد والمسائل حذارًا أن لا يقع منه، أعلاه الله، موقع ما رجوت. وأنا أبدأ بحرف الألف (٣ ب) ثمّ أتبعه الباء، ومن الله استمد المزيد، بمنّه وكرمه. (حرف الألف) قال بعض الملغزين من المحدثين: ١ - (إنّ هند الجميلة الحسناء ... وأي من أتبعت بوعدٍ وفاء) (إنّ) فعل أمر للمؤنث مؤكد بالنون الثقيلة، من وأي يئي، بمعنى وعد. وأصل هذا الأمر: تئين مثل تفين، فحذف التاء للمواجهة، والنون للياء المضاهي لجزم المضارع، والياء الضمير لئلا يلتقي ساكنان، الياء والنون المدغمة، وكسرة الهمزة دالّة على صفة حذف الياء. و(هند) منادى مبني على الضم محذوف حرف النداء كقوله: ﴿يوسف أعرض﴾ . و(الجميلة) وصف له على الموضع. و(الحسناء) صفة لمفعول محذوف تقديره: المرأة

1 / 16

الحسناء. و(أي) منصوبٌ مصدرٌ ل (إنّ)، كما تقول: عدنّ يا هند المرأة وعد من يفي. وقال حسان بن ثابتٍ الأنصاريّ: ٢ - (كأنّ سلافةً من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء) يروى برفع (مزاجها) ورفع عسل، ويحتمل ثلاثة أوجه: أن يضمر في يكون الشأن والقصة والسلافة، وتجعل كان زائدة. ويروى بنصب (مزاجها) ورفع عسل، على جعل اسم كان نكرةً وخبرها معرفةً، في الشعر ضرورة. ويروى بنصب عسل ورفع المزاج، وهي رواية أبي عثمان المازني، على جعل اسمها معرفةً وخبرها نكرةً، على القاعدة المستقرة، و(ماء) مرفوع بفعل دلّ عليه الكلام تقديره: وخالطها ماء أو وفيه ماء. وقال آخر محدث: (٤ أ) ٣ - (بكى ويحق للدّنف البكاء ... إذا ما سار من يهوى عشاء) في نصب البكاء وجهان: أحدهما مصدر لبكى تقديره: بكى البكاء. والثاني هو مفعول به معدّى ب (على) تقديره: بكى على البكاء، لفقده إياه وعدمه. وقال آخر، محدث أيضًا: ٤ - (ويح من لام عاشقًا في هواه ... إنّ لوم المحبّ كالإغراء) رفع (الإغراء) لأنّه خبر إنّ، والكاف ضمير المخاطب، وينبغي أن تتصل بالمحب في

1 / 17

الخطّ، غير أنه فصل لموضع النكتة، وهو اللغز. وكلّ موضعٍ رأيته في دوارج الكتاب مكتوبًا على هذا المنهاج فاحمله على ما ذكرناه هنا. واللام في المحب بمعنى الذي تقديره: إنّ لوم الذي يحبك الإغراء. وقال محدث آخر: ٥ - (صل حبالي فقد سئمت الجفاء ... يا قتولي واحفظ عليّ الإخاء) رفع (الجفاء) بالابتداء، وخبره (قتولي)، و(يا) حرف تنبيهٍ لا منادى له، أو قد حذف مناداه، كقوله: يا لعنة الله، أي: يا قوم. وفصل بين المبتدأ والخبر بالنداء، وهو جائز، لقولك: زيد يا عمرو كريم. و(سئمت) لا تعلق له بما بعده لأنّ مفعوله محذوفٌ، وكذلك مفعول (احفظ) . و(الإخاء) مبتدأ، و(عليّ) الخبر، تقديره: صل حبالي فقد سئمت الصدّ، الجفاء يا قوم قتولي، واحفظ الودّ عليّ الإخاء. وقال الفرزدق: ٦ - (هيهات قد سفهت أمية رأيها ... واستجهلت سفاؤها حلملؤها) (حربٌ تردّد بينهم بتشاجرٍ ... قد كفّرت آباؤها أبناؤها) هذا نظير قوله تعالى: ﴿إلاّ من سفه نفسه﴾ و﴿بطرت معيشتها﴾ . وقد اختلف علماء العربية (٤ ب) في وجهة نصب ذلك، فقال يونس بن حبيب وأبو الحسن الأخفش: سفه يعني سفّه.

1 / 18