في دفع الظلم والتجري، عن أبي العلاء المعري (¬1)

لابن العديم (¬2)

558 - 660

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الإمام أوحد الفضلاء، سيد العلماء، الصاحب كمال الدين، جمال الإسلام، بهاء الأنام، بقية السلف الكرام، أوحد عصره، ووفريد دهره، عمر بن الصاحب السعيد الإمام العلامة قاضي القضاة نجم الدين أبي الحسن أحمد، بن الصاحب السعيد قاضي القضاة جمال الدين أبي غانم هبة الله، بن قاضي القضاة مجد الدين أبي عبد الله محمد، بن قاضي القضاة جمال الدين أبي الفضل هبة الله، بن قاضي القضاة نجم الدين أبي الحسن أحمد بن يحيى بن زهير بن أبي جرادة، تغمده الله برحمته ورضوانه:

Page 1

الحمد لله الكريم العادل، ذي الفضل الشامل، والإحسان الكامل، محق الحق، ومبطل الباطل. أحمده على ما منحنا من التوفيق، وهدانا به إلى سواء الطريق. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من خلص له يقينه، وصح بالوحدانية مذهبه ودينه. وأشهد أن محمدا عبده الأواب، ورسوله المبن للصواب، أرسله بالآيات الباهرة، والحجج الزاهرة، والدلائل الظاهرة، ففرق بين الصحيح والسقيم، والمعوج والقوي، وهدى أمته إلى الصراط المستقيم. صلى الله عليه وعلى آله الأكرمين، وأصحابه الهداة المنتخبين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

... وبعد، فإني وقفت على جملة من مصنفات عالم معرة النعمان، أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان، فوجدتها مشحونة بالفصاحة والبيان، مودعة فنونا من الفوائد الحسان، محتوية على أنواع الآداب، مشتملة من علوم العرب على الخالص واللباب؛ لا يجد الطامح فيها سقطة، ولا يدرك الكاشح فيها غلطة. ولما كانت مختصة بهذه الأوصاف، مميزة على غيرها عند أهل الإنصاف، قصده جماعة لم يعوا وعيه، وحسدوه إذ لم ينالو سعيه، فتتبعوا كتبه على وجه الانتقاد، ووجدوها خالية من الزيغ والفساد؛ فحين علموا سلامتها من العيب والشين، سلكوا فيها معه مسلك الكذب والمين، ورموه بالإلحاد والتعطيل، والعدول عن سواء السبيل. فمنهم من وضع على لسانه أقوال الملحدة، ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصده، لجعلوا محاسنه عيوبا، وحسناته ذنوبا، وعقله حمقا، وزهده فسقا؛ ورشقوه بأليم السهام، وأخرجوه عن الدين والإسلام؛ وحرفوا كلمه عن مواضعه، وأوقعوه في غير مواقعه.

Page 2

ولو نظر الطاعن كلامه بعين الرضا، وأغمد سيف الحسد من عليه انتضى؛ لأوسع له صدرا وشرح، واستحسن ما ذم ومدح. لكن جرى الزمن على عاداته، في مطالبته أهل الفضل بتراته، وقصدهم بإساءاته، فسلط عليهم أبناءه، وجعلهم أعداءه، فقصدوه بالطعن والإساءة. واللبيب مقصود، والأديب عن بلوغ الغرض مصدود، وكل ذي نعمه محسود. ومن سلك في الفصاحة مسلكه، وأدرك من أنواع العلوم ما أدركه، وقصد في كتبه الغريب، وأودعها كل معنى غريب -كان للطاعن سبيل إلى عكس معانيه وقلبها، وتحريفها عن وجوهها المقصودة وسلبها. ألا ترى إلى كتاب الله العزيز، المحتوي على المنع والتجويز، الذي لا يقبل التبديل في شيء من صحفه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف أحال جماعة من أرباب باطل الأقاويل، تأويله على غير وجوه التأويل، فصرفوا تأويله إلى ما أرادوا، فما أحسنوا في ذلك ولا أجادوا! حتى إن جماعة من الكفار، وأرباب الزلل والعثار، تمسكوا منه بآيات، جعلوها دليلا على ما ذهبوا إليه من الضلالات. فما ظنك بكلام رجل من البشر، ليس بمعصوم من إن زل أو عثر، وقد تعمق في فصيح الكلام، وأتى من اللغات بما لا يتيسر لغيره ولا يرام، وأودعها في كلامه أحسن إيداع، وأبرزها في النظم البديع والأسجاع، إذا قصده بعض الحساد، فحمل كلامه على غير المراد!

Page 3

وقد وضع أبو العلاء كتابا وسمه ب"زجر النابح"، أبطل فيه طعن المزري عليه والقادح، وبين فيه عذره الصحيح، وإيمانه الصريح، ووجه كلامه الفصيح، ثم أتبع ذلك بكتاب وسمه ب"نجر الزجر"، بين فيه مواضع طعنوا بها عليه بيان الفجر. فلم يمنعهم زجره، ولا اتضح لهم عذره، بل تحقق عندهم كفره، واجترءوا على ذلك وداموا، وعنفوا من انتصر له ولاموا، وقعدول في أمره وقاموا، فلم يرعوا له حرمه، ولا أكرموا علمه، ولا راقبوا إلا ولا ذمة، حتى حكوا كفره بالأسانيد، وشددوا في ذلك غاية التشديد، وكفره من جاء بعدهم بالتقليد.

فابتدرت دونه مناضلا، وانتصبت عنه مجادلا، وانتدبت لمحاسنه ناقلا. وذكرت في هذا الكتاب مولده ونسبه، وتحصيله للعلم وطلبه، ودينه الصحيح ومذهبه، وورعه الشديد وزهده، واجتهاده القوي وجده، وطعن القادح فيه ورده، ودفع الظلم عنه وصده.

وسميته " كتاب الإنصاف والتحري ، في دفع الظلم والتجري ، عن أبي العلاء المعري ". وبالله التوفيق والعصمة، وإليه المرجع في كل وصمة، وهو حسبي ونعم الوكيل.

AUTO ذكر نسبه

Page 4

هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أنور بن أرقم بن أسحم بن النعمان -وهو الساطع- بن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن بريح بن جذيمة بن تيم اللات -وقيل تيم الله، وهو مجتمع تنوخ- بن أسد بن وبرة بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة -وهو لقب واسمه: عمرو- بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير؛ وهو ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان -وهو مجتمع قبائل اليمن- ابن عابر وقيل هو هود عليه السلام، بن شالخ (وقيل : شالح وقيل: سايح) بن أرفخشذ (وقيل راقد) بن سام (وقيل سائم) بن نوح عليه السلام بن لمك (وقيل لامك، وقيل لامخ، وقيل ملكان) بن متوشلخ (وقيل متوشلح، وقيل متوب) بن أخنوخ (وهو إدريس عليه السلام. وقيل حنوح، وقيل حنوخ) بن يارد (¬1) (وقيل يرد (¬2) ، وقيل الزايد وقيل اليادر) بن مهائيل (وقيل ماهللأل، وقيل مهلهل) بن قينان (وقيل قنان) بن طاهر (¬3) (وهو أنوش) بن هبة (¬4) (وهو شيث) بن آدم عليه السلام.

Page 5