بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْفَقِيهُ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ عِيَاضُ بْنُ مُوسَى بْنِ عِيَاضٍ الْيَحْصُبِيُّ وَفَّقَهُ اللَّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَى لِطَاعَتِهِ وألهم وَعلم الْإِنْسَان مالم يَكُنْ يَعْلَمُ أَسْأَلُهُ شُكْرَ مَا مَنَّ بِهِ وَأَنْعَمَ وَعُقْبَى خَيْرٍ يَكْمُلُ بِهَا نَعْمَاهُ وَيُخْتَمُ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ ﷺ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدُ أَيُّهَا الرَّاغِبُ فِي صَرْفِ الْعِنَايَةِ إِلَى تَلْخِيصِ فُصُولٍ فِي مَعْرِفَةِ الضَّبْطِ وَتَقْيِيدِ السَّمَاعِ وَالرِّوَايَةِ وَتَبْيِينِ أَنْوَاعِهَا عِنْدَ أَهْلِ التَّحْصِيلِ وَالدِّرَايَةِ وَمَا يَصِحُّ مِنْهَا وَمَا يَتَزَيَّفُ وَمَا يَتَّفِقُ فِيهِ مِنْ وُجُوهِهَا وَيَخْتَلِفُ فَإِنِّي بِمَا عَلِمْتُهُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ وَتَمَيُّزِكَ إِلَى هَذَا الْفَرِيقِ وَإِيثَارِكَ عِلْمَ الْأَثَرِ عَلَى سِوَاهُ وَتَهَمُّمِكَ بِتَقْيِيدِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ

1 / 3

وَتَفَهُّمِ مَعْنَاهُ وَأَنَّكَ سُدِّدْتَ بِمَذْهَبِكَ هَذَا لِوَجْهِ الْحَقِّ وَصَوَابِهِ وَأَتَيْتَ بَيْتَ الْعِلْمِ مِنْ بَابِهِ وَسَلَكْتَ فِي ذَلِكَ مَسْلَكَ كُلِّ مَشْهُورٍ مَذْكُورٍ وَأَحْبَبْتَ مِنَ الْعِلْمِ مَا يُحِبُّهُ الذُّكُورُ فَإِنَّ عِلْمَ الْكِتَابِ وَالْأَثَرِ أَصْلُ الشَّرِيعَةِ الَّذِي إِلَيْهِ انْتِمَاؤُهَا وَأَسَاسُ عُلُومِهَا الَّذِي عَلَيْهِ يَرْتَفِعُ تَفْرِيعُ فُرُوعِهَا وَبِنَاؤُهَا وَهُوَ عِلْمٌ عَذْبُ الْمَشْرَبِ رَفِيعُ الْمَطْلَبِ مُتَدَفِّقُ الْيَنْبُوعِ مُتَشَعِّبُ الْفُصُولِ وَالْفُرُوعِ فَأَوَّلُ فُصُولِهِ مَعْرِفَةُ أَدَبِ الطَّلَبِ وَالْأَخْذِ وَالسَّمَاعِ ثُمَّ مَعْرِفَةُ عِلْمِ ذَلِكَ وَوُجُوهِهِ وَعَمَّنْ يُؤْخَذُ ثُمَّ الْإِتْقَانُ وَالتَّقْيِيدُ ثُمَّ الْحِفْظُ وَالْوَعْيُ ثُمَّ التَّمْيِيزُ وَالنَّقْدُ بِمَعْرِفَةِ صَحِيحِهِ وَسَقِيمِهِ وَحَسَنِهِ وَمَقْبُولِهِ وَمَتْرُوكِهِ وَمَوْضُوعِهِ وَاخْتِلَافِ رِوَايَتِهِ وَعِلَلِهِ وَمَيْزِ مُسْنَدِهِ مِنْ مُرْسَلِهِ وَمَوْقُوفِهِ مِنْ مَوْصُولِهِ ثُمَّ مَعْرِفَةُ طَبَقَاتِ رِجَالِهِ مِنَ الثِّقَةِ وَالْحِفْظِ وَالْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ وَالضَّعْفِ وَالْجَهَالَةِ وَالتَّقَدُمِ وَالتَّأَخُّرِ ثُمَّ مَيْزُ زِيَادَاتِ الْحُفَّاظِ وَغَيْرِهِمْ فِيهِ وَفَصْلُ الْمُدْرَجِ أَثْنَاءَهُ مِنْ أَقْوَالِ نَاقِلِيهِ

1 / 4

ثُمَّ مَعْرِفَةُ غَرِيبِ مُتُونِهِ وَتَفْسِيرُ أَلْفَاظِهِ ثُمَّ مَعْرِفَةُ نَاسِخِهِ مِنْ مَنْسُوخِهِ وَمُفَسَّرِهِ مِنْ مُجْمَلِهِ وَمُتَعَارِضِهِ وَمُشْكِلِهِ ثُمَّ التَّفَقُّهُ فِيهِ وَاسْتَخْرَاجُ الْحُكْمِ وَالْأَحْكَامِ مِنْ نُصُوصِهِ وَمَعَانِيهِ وَجَلَاءُ مُشْكِلِ أَلْفَاظِهِ عَلَى أَحْسَنِ تَأْوِيلِهَا وَوَفْقِ مُخْتَلِفِهَا عَلَى الْوُجُوهِ الْمُفَصَّلَةِ وَتَنْزِيلِهَا ثُمَّ النَّشْرُ وَآدَابُهُ وَصِحَّةُ الْمَقْصَدِ فِي ذَلِكَ لِلدِّينِ وَاحْتِسَابُهُ وَكُلُّ فَصْلٍ مِنْ هَذِهِ الْفُصُولِ عِلْمٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَفَرْعٌ بَاسِقٌ عَلَى أَصْلِ عِلْمِ الْأَثَرِ وَأُسِّهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا تَصَانِيفٌ عَدِيدَةٌ وَتَآلِيفٌ جَمَّةٌ مُفِيدَةٌ وَلَمْ يَعْتَنِ أَحَدٌ بِالْفَصْلِ الَّذِي رَغِبْتَهُ كَمَا يَجِبُ وَلَا وَقَفْتُ فِيهِ عَلَى تَصْنِيفٍ يَجِدُ فِيهِ الرَّاغِبُ مَا رَغِبَ فَأَجَبْتُكَ إِلَى بَيَانِ مَا رَغِبْتَ مِنْ فُصُولِهِ وَجَمَعْتُ فِي ذَلِكَ نُكَتًا غَرِيبَةً مِنْ مُقَدِّمَاتِ عِلْمِ الْأَثَرِ وَأُصُولِهِ وَقَدَّمْتُ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ أَبْوَابًا مُخْتَصَرَةً فِي عِظَمِ شَأْنِ عِلْمِ الْحَدِيثِ وَشَرَفِ أَهْلِهِ وَوُجُوبِ السَّمَاعِ وَالْأَدَاءِ لَهُ وَنَقْلِهِ وَالْأَمْرِ بِالضَّبْطِ وَالْوَعْيِ وَالْإِتْقَانِ وَخَتَمْتُهُ بِبَابٍ فِي أَحَادِيثَ غَرِيبَةٍ وَنُكَتٍ مُفِيدَةٍ عَجِيبَةٍ مِنْ آدَابِ الْمُحَدِّثِينَ وَسِيَرِهِمْ وَشَوَارِدَ مِنْ أَقَاصِيصِهِمْ وَخَبَرِهِمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَسْأَلُ تَوْفِيقًا لِي وَلَكَ وَعَوْنًا يُسَدِّدُ لِمَا يُرْضِيهِ عَمَلِي وَعَمَلَكَ

1 / 5

ﷺ َ - بَابٌ فِي وُجُوبِ طَلَبِ عِلْمِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَنِ وَإِتْقَانِ ذَلِكَ وَضَبْطِهِ وَحِفْظِهِ وَوَعْيِهِ ﷺ َ - قَالَ الْفَقِيهُ الْقَاضِي الْمُؤلف رضى الله عَنهُ لاخفاء عَلَى ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ وَدِينٍ مُسْتَقِيمٍ بِوُجُوبِ ذَلِكَ وَالْحَضِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَصْلَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي تُعُبِّدْنَا بِهَا إِنَّمَا هِيَ مُتَلَقَّاةٌ مِنْ جِهَةِ نَبِيِّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ إِمَّا فِيمَا بَلَّغَهُ مِنْ كَلَامِ رَبِّهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ وَالَّذِي تكفل الله بحفظه فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون﴾ وَبِهَذَا الْوَجْهِ ارْتَفَعَ بِحَمْدِ اللَّهِ فِيهِ اللَّبْسُ وَاطْمَأَنَّتْ لِصِحَّةِ جَمِيعِهِ كُلُّ نَفْسٍ وَنُقِلَ بِالتَّوَاتُرِ كَافَةً عَنْهُ وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَ فِرَقِ الْمُسْلِمِينَ خِلَافٌ فِي حَرْفٍ مِنْهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ وَحْيِ اللَّهِ إِلَيْهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى﴾

1 / 6

وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِهِ وَسَائِرِ سِيَرِهِ وَجُمْلَةِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَإِقْرَارِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا﴾ وَكُلُّ هَذَا إِنَّمَا يُوصَلُ إِلَيْهِ وَيُعْرَفُ بِالتَّطَلُّبِ وَالرِّوَايَةِ وَالْبَحْثِ وَالتَّنْقِيرِ عَنْهُ وَالتَّصْحِيحِ لَهُ وَرَحِمَ اللَّهُ سَلَفَنَا مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَرْضِيِّينَ وَالْأَعْلَامِ السَّابِقِينَ وَالْقُدْوَةِ الصَّالِحِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَفُقَهَائِهِمْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ فَلَوْلَا اهْتِبَالُهُمْ بِنَقْلِهِ وَتَوَفُّرُهُمْ عَلَى سَمَاعِهِ وَحَمْلِهِ وَاحْتِسَابُهُمْ فِي إِذَاعَتِهِ وَنَشْرِهِ وَبَحْثُهُمْ عَنْ مَشْهُورِهِ وَغَرِيبِهِ وَتَنْخِيلُهُمْ لِصَحِيحِهِ مِنْ سَقِيمِهِ لَضَاعَتِ السُّنَنُ وَالْآثَارُ وَلَاخْتَلَطَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَبَطَلَ الِاسْتِنْبَاطُ وَالِاعْتِبَارُ كَمَا اعْتَرَى منْ لَمْ يَعْتَنِ بِهَا وَأَعْرَضَ عَنْهَا بِتَزْيِينِ الشَّيْطَانِ ذَلِكَ لَهُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَضَعَفَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ حَتَّى انْسَلَّ أَكْثَرُهُمْ عَنِ الدِّينِ وَأَتَتْ فَتَاوِيهِمْ وَمَذَاهِبُهُمْ مُخْتَلَّةَ الْقَوَانِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا السُّبُلَ وَعَدَلُوا عَنِ الطَّرِيقِ وَبَنَوْا أَمْرَهُمْ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ وَثِيقٍ ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هار﴾ الْآيَةَ

1 / 7